كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)

الملائكة من نثار الجنّة، وأوحى الله إلى آدم، أن اذكر نعمتى عليك، فإنّى خلقتك ببديع فطرتى، وسويتك بشرا على مشيئتى، ونفخت فيك من روحى، وأسجدت لك ملائكتى، وحملتك على أكتافهم، وجعلتك خطيبهم، وأطلقت على لسانك جميع اللّغات، وجعلت ذلك كلّه فخرا وشرفا لك، وهذا إبليس قد أبلسته «1» ولعنته حين أبى أن يسجد لك، وقد ختمت كرامتى لك بأمتى حوّاء، وقد بنيت لكما دار الحيوان «2» من قبل أن أخلقكما بألفى عام، على أن تدخلاها بعهدى وأمانتى.
ذكر عرض الأمانة على آدم عليه السلام
قال الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) .
قال: وهى أن يكافأوا على الإحسان، ويعذّبوا على الإساءة؛ فأبوا؛ فعرضت على آدم، فقيل له: إن أطعت كافأتك بالإحسان، وخلّدتك فى الجنان؛ وإن تركت عهدى أخرجتك من دارى، وعذّبتك بنارى، فقبل آدم الأمانة، فعجب الملائكة من ذلك؛ ثم مثّل له ولحوّاء إبليس، وقيل له: (هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) .
ثم ناداهما الرب: إنّ من عهدى إليكما وأمانتى أن تدخلا الجنة (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)
. فقبلا هذه العهود كلّها.
ثم أمر الله تعالى بإدخالهما الجنّة، فحمل آدم على الفرس الميمون، وحوّاء وراءه على الناقة، والملائكة عن اليمين والشمال وأمامهما وخلفهما حتى بلغوا باب الجنّة ودخلا واستقرّ بجنّة عدن فى وسط الجنّة بعد أن طافا بالجنان، فقدّم إليهما من

الصفحة 14