كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)

قال ابن عبّاس- رضى الله عنهما-: والذى نفسى بيده ما ساغ آدم من تلك السنابل سنبلة واحدة حتى طار التاج عن رأسه، وعرى من لباسه، وانتزعت عنه خواتمه، وسقط كلّ ما كان على حوّاء من لباسها وحلّيها وزينتها، وناداهما كلّ ما طار عنهما: «يا آدم طال حزنك، وعظمت رزيّتك، وعليك السّلام إلى يوم اللّقاء» . ولم يبق عليهما من لباسهما شىء، (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ)
؛ ونظر كلّ منهما إلى سوءة صاحبه؛ وهرب إبليس فسار مستخفيا فى طرائق السموات، وصاح آدم صيحة عظيمة، ولم يبق فى الجنة شىء إلّا لامه، وانقبضت عنه الأشجار؛ فلمّا كثرت عليه الملامات مرّ هاربا على وجهه، فالتفّت عليه شجرة الطّلح وأمسكته ونادته: إلى أين تهرب يا عاصى؛ واضطربت الملائكة لذلك؛ والله الموفّق للصواب.
ذكر خروج آدم وحوّاء من الجنة
قال: وأمر الله جبرئيل فجاء إلى آدم وقبض على ناصيته، وخلّصه من الشجرة؛ فلما صار به إلى باب الجنة وأخرج رجله اليمنى وبقيت اليسرى، نودى: يا جبريل قف به على باب الجنّة حتى يخرج معه أعداؤه الذين حملوه على أكل الشجرة لكى يراهم ويرى ما يفعل بهم. فوقفه هنالك، فناداه الربّ: يا آدم إنّما خلقتك لتكون عبدا شكورا، لا لتكون عبدا كفورا. قال: يا ربّ أسألك أن تعيدنى إلى تربتى التى خلقتنى منها لأكون ترابا كما كنت أوّل مرّة. قال: يا آدم، كيف أعيدك إلى تربتك وقد سبق علمى أن أملأ من ظهرك الجنّة والنار.
وأخرج آدم حوّاء وقد استترت بورقة من ورق الجنة بإذن الله؛ فلمّا رأت آدم صاحت وقالت: يا لها من حسرة؟ فوقفت خارج الجنّة، ثم أتى بالطاوس وقد

الصفحة 18