كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)
قال كعب: أهبط آدم إلى بلاد الهند على جبل من جبالها يقال له (بوذ) وهو جبل محيط بأرض الهند؛ وأهبطت حوّاء بجدّة، وإبليس بدستميسان «1» ، والحيّة أصفهان، والطاوس بالبحر؛ ففرّق الله بينهم فلم ير بعضهم بعضا حينا، ولم يكن على آدم يوم أهبط إلّا ورقة من أوراق الجنة، فذرتها الرياح فى بلاد الهند فصارت معدنا للطيّب.
وأخذ آدم فى البكاء مائة عام حتى نبت من دموعه العود والزنجبيل والصندل والكافور وأنواع الطيّب، وامتلات الأودية بأطيب الأشجار؛ وبكت حوّاء فنبت من دموعها القرنفل والأفاوية؛ وكانت الريح تحمل كلامه إليها وكلامها إليه.
ثم أنبت الله- عزّ وجلّ- لآدم الشّعر واللّحية، وكان قبل ذلك أمرد وجسده كالفضّة، فتألّم لذلك ألما شديدا.
قال وهب: أوّل من علم بهبوط آدم من حيوان الأرض النّسر، وكان قد ألف الحوت، فجاء إليه وقال له: إنى رأيت اليوم خلقا عظيما ينقبض وينبسط، ويقوم ويقعد، ويجىء ويذهب. فقال الحوت: إن كان ما تقوله حقّا فقد حان ألّا يكون لى معه مقرّ فى البحر ولا لك فى البرّ، وهذا الوداع بينى وبينك. فجاء النّسر إلى آدم وألفه، وجاءه الوحش والطير وألفوه وبكوا لبكائه دهرا طويلا، فلمّا أضجرهم ذلك نفروا عنه ولم يبق عنه إلّا النّسر وحده وهو لا يفتر عن البكاء.
قال وهب: بكى آدم حتى بكت الملائكة لبكائه وقالوا: «إلهنا أقله عثرته» .
الصفحة 22
292