كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)
قال: وبقى من دموعه فى الأرض- بعد أن كفّ عن البكاء- ما شربه الوحش والطير والهوامّ مائة عام؛ وكان لدموعه رائحة كالمسك، ولذلك كثر الطيّب فى الهند.
وقال كعب: بكى آدم ثلاثمائة عام لا يرفع رأسه إلى السماء وهو يقول: «إلهى بأىّ وجه أنظر إلى السماء» . فألهم الله سائر الحيوانات أن تأتى لآدم وتعزّيه فى مصيبته، فعزّاه جميعها ونهته عن البكاء، وأمرته بالتسبيح والتقديس.
ذكر توبة آدم عليه السلام
قال: فعند ذلك أمر الله تعالى جبريل أن يهبط على آدم، وقال له: «إن آدم بديع فطرتى قد أبكى أهل سمواتى وأرضى، ولا يذكر غيرى، ولم يخف سواى، وهو أوّل من حمدنى، وأوّل من دعانى بأسمائى الحسنى، وأنا الرحمن الّذى سبقت رحمتى غضبى، وهذه الكلمات قد خصصت بها آدم لتكون له توبة، وتخرجه من الظلمات إلى النور» . فهبط عليه جبريل بالكلمات ولها نور عظيم، فقال: «السلام عليك يا طويل البكاء والحزن» ؛ فلم يسمعه آدم لغليان صدره؛ فناداه بصوت رفيع:
السلام عليك يا آدم. وأمرّ جناحه على صدره ووجهه حتى هدّأ من بكائه، وسمع الصوت فقال: أبنداء السّخط تنادى، أم بنداء الإحسان والغفران؟ قال: بل بنداء الرحمة والغفران، يا آدم: لقد أبكيت ملائكة السموات والأرض، فدونك هذه الكلمات، فإنّها كلمات الرحمة والتوبة.
قال كعب: كانت الكلمات ما قالها يونس فى ظلمات ثلاث: (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنهما- كانت: (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) .
الصفحة 23
292