كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)
وقال لادم: اركض برجلك فى هذا الموضع. فركضها، فانفجرت الأرض بإذن الله عين ماء معين؛ فكبّر آدم وحوّاء، وهمّت أن تشرب فمنعها وقال: «حتى يأذن لى ربّى» . فاغتسلت حوّاء، وكان فى ذوائبها بقيّة من مسك الجنّة، ففاحت الدنيا.
ذكر إبناء آدم وزرعه وحرثه
قال: ثم أوحى الله تعالى إلى آدم: «أنك إن لم تعمر هذه الدنيا لم يعمرها أحد من أولادك، فاعمرها» . فبنى له مسكنا يأوى إليه هو وحوّاء؛ ثم أخذ بعد ذلك فى الحرث والزرع وحفر الآبار؛ وجاءه جبريل بالحبة وهى على قدر بيض النّعام، بيضاء فى لون الثلج وأحلى من العسل؛ وجاءه بثورين من ثيران الفردوس وجاءه بالحديد؛ فلمّا نظر آدم إلى الحبّ صاح صيحة عظيمة، وقال: ما لى ولهذا الحبّ الّذى أخرجنى من الجنّة.
قال: «هذا رزقك فى الدنيا، لأنك اخترته فى الجنّة، فهو غذاء لك ولذرّيّتك» .
ثم قال له جبريل: يا آدم، قم فكن حرّاثا زرّاعا، وأتاه بالنار وقد غمسها فى سبعين ماء حتّى اعتدلت وكمنت فى الحديد والحجر، وأمره أن يوقد النار ويلين الحديد، ويتّخذ منه مطرقة وسندانا، ففعل؛ ثم اتخذ مدية يذبح بها، وفأسا يحفر بها ويكسر، ومحراثا يحرث به الأرض، ونيرا؛ كلّ ذلك وجبريل يعلّمه.
قال وهب: أوّل ما اتخذ آدم من الحديد سندان ومطرقة وكلبتان؛ ثم اتخذ بعد ذلك آلة النجارة، وأتاه جبريل بكبش من الجنّة، فنحره آدم، وأكل هو وحوّاء من لحمه، واتخذا مقراضا فجزّا به الصوف من الكبش، وغزلاه، واتخذا منه
الصفحة 28
292