كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)

ثم حمل آدم هابيل على عاتقه وهو باك، ثم دفنه، وبكى عليه هو وحوّاء أربعين يوما، فأوحى الله تعالى إليه أن كفّ عن بكائك، فإنّى سأهب لك غلاما زكيّا على صورة هابيل يكون أبا النبييّن والمرسلين. فسرّى عنه، وجامع حوّاء فحملت بشيث واسمه (هبة الله) فلمّا وضعته كان على صفة هابيل وصورته؛ فلمّا ترعرع وبلغ بعث الله تعالى له قضيبا من سدرة المنتهى فى صفاء الجوهر، ورزق الله شيئا الأولاد فى حياة آدم؛ والله أعلم.
ذكر وفاة آدم- عليه السلام-
قال: وكان آدم لمّا أخرج الله تعالى الذريّة من ظهره رأى داود- عليه السلام- وحسن صورته، فسأل عنه وعمّا رزقه الله تعالى من العمر؛ فقيل له: إنه نبىّ الله داود، وإن عمره الذى كتب الله له أربعون سنة. فقال: يا ربّ زد فى عمره.
قال: ذلك الذى كتبت له. فقال: يا ربّ فإنّى قد وهبته من عمرى ستّين سنة.
فلمّا انقضى من عمره تسعمائة سنة وأربعون سنة أتاه ملك الموت، فقال له آدم: قد عجلت علىّ، لأنّ ربّى كتب لى ألف سنة. قال: ألم تهب منها لولدك داود ستّين سنة؟ قال: لا. قال: فجحد آدم وجحدت ذرّيته من بعده، ونسى فنسيت.
وقيل فى عمر داود: ستون سنة، وإن آدم وهبه أربعين سنة؛ والله أعلم.
فلما استكمل عدّته أمر الله بقبض روحه، فعهد إلى ابنه شيث وأوصاه، وسلّم إليه التابوت، وكان فيه نمط من الجنّة أبيض أهداه الله تعالى لآدم، فيه صور الأنبياء والفراعنة من ذرّيّته؛ فنشر آدم النّمط وأراه لابنه شيث، فنظر إليه، ثم أمر بطيّه ووضعه فى التابوت؛ وعمد آدم إلى طاقات من شعر لحيته فوضعها فى التابوت وقال له: يا بنىّ، إنك لا تزال مظفّرا على أعدائك ما دامت هذه الشعرات سودا

الصفحة 34