كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)
وقال له: يا بنىّ؛ إنى رأيت اسمه مكتوبا على سرادق العرش وأبواب الجنان وأطباق السموات وأوراق شجرة طوبى؛ فهذه وصيّتى إليك. ثم نزع خاتمه من اصبعه ودفعه إليه، وتسلّم منه التابوت، ثم قال له: إن الله سيعطيك ثوب المجاهدة، فحارب أخاك قابيل، فإن الله تعالى ينصرك عليه. وكان شيث حين الوصية إليه ابن أربعمائة سنة، فأطاعه أولاد أبيه، وصار إليه الفرس الميمون، وكان أغرّ محجّلا إذا صهل أجابته الدوابّ كلّها بالتسبيح.
ذكر قتال شيث قابيل
قال: ثم أمر الله تعالى شيث بن آدم بقتال قابيل، وكان قابيل قد اعتزل فى ناحية من الأرض، فعمرها، وخدع أختا له فأحبلها، ورزق منها أولادا كثيرة فسار إليه شيث بجميع أولاده، وتقلّد سيف أبيه، وكان بين يديه عمود من الياقوت تحمله الملائكة يضىء بالليل والنهار؛ وسار وقد أحدقت به الملائكة، فتوجّه إبليس إلى قابيل وأعمله خبر أخيه، فتأهّب للقائه وقد داخله الفزع؛ ثم جاء شيث فقابله، فاقتتلا، فانكبّ قابيل على وجهه، فأخذه شيث أسيرا، وأسر جماعة من أولاده.
ثم أقبلت الملائكة إلى قابيل فسلكوه فى سلسلة من سلاسل جهنّم، وغلّوا يده إلى عنقه، وساقوه بين يدى شيث مهانا وهو يقول: يا شيث احفظ الرّحم بينى وبينك. فقال: لا رحم بيننا بعد أن قتلت أخاك ظلما.
ثم أمر شيث الملائكة فساقوه مغلولا إلى عين الشمس بالمغرب، فلم يزل مواجها للشمس حتى مات كافرا، وصارت ذريّته عبيدا وإماء لشيث وأولاده.
ثم أخذ شيث بعد ذلك فى عمارة المدن حتى بنى نيّفا على ألف مدينة فى كلّ مدينة منارة ينادى عليها: (لا إله إلا الله، آدم صفوة الله، محمد رسول الله) .
الصفحة 36
292