كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)
عليهم أن جعلوا لهم تماثيل يتسلّون بها؛ وترامى الأمر إلى أن عبدها القرن الذى تلاهم، فكان ذلك هو السبب لعبادة الأوثان.
ثم قام بالأمر بعد (مهلائيل) ابنه (أخنوخ) ، وهو إدريس.
الباب الثالث من القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى أخبار إدريس النبى- عليه السلام-
واسمه أخنوخ، وإنما سمّى إدريس لكثرة دراسته الكتب؛ وهو أوّل من بعث من بنى آدم؛ وهو أوّل من خطّ بالقلم بعد شيث، وأوّل من كتب فى الصحيفة؛ وكان مشتغلا بالعبادة ومجالسة الصالحين حتى بلغ فآنفرد للعبادة، فجعله الله تعالى نبيّا، وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، وورّثه صحف شيث وتابوت آدم.
وكان يعيش من كسب يده؛ وكان خيّاطا، وهو أوّل من خاط الثياب ولبسها وكانوا قبل ذلك يلبسون الجلود، حتى أتت عليه أربعون سنة، فبعثه الله تعالى إلى أولاد قابيل، وكانوا جبابرة، وقد اشتغلوا باللهو والغناء والمزامير والطنابير وغير ذلك، وعبدوا الأصنام؛ وكان إدريس يدعوهم ثلاثة أيّام، ويعبد الله أربعة.
وحكى عن وهب أنّه أوّل من اتّخذ السلاح، وجاهد فى سبيل الله، ولبس الثياب، وأظهر الأوزان والأكيال، وأنار علم النجوم.
وكان إدريس شديد الحرص على دخول الجنة، وكان قد رأى فى الكتب أنّه لا يدخلها أحد دون الموت، فبينما هو يسبح فى عبادته إذ عرض له ملك الموت فى صورة رجل فى نهاية الجمال؛ فقال له إدريس: من أنت؟ قال: عبد من عبيد الله أعبده كعبادتك. واصطحبا، فكان إدريس يأكل من رزق الله، وهو لا يطعم شيئا؛ فسأله عن ذلك؛ فأخبره أنه ملك الموت؛ فقال له: جئت لقبض
الصفحة 38
292