كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 13)

ووضعه عند مطلع الشمس؛ ثم أتى ملك الموت، فقال: لى إليك حاجة. قال:
أفعل كلّ شىء أستطيعه. فقال له: صديق لى من بنى آدم يتشفّع بى إليك أن تؤخّر أجله. فقال: ليس ذلك إلىّ، ولكن إن أحببت أعلمه أجله مى يموت فيتقدّم فى نفسه. قال: نعم. فنظر فى ديوانه، فأخبره باسمه، فقال: إنك كلّمتنى فى إنسان ما أراه يموت أبدا. ثم قال: إنى لأجده يموت عند مطلع الشمس.
قال: فإنّى أتيتك وتركته هناك. قال: فانطلق فإنّه قد مات، فو الله ما بقى من أجل إدريس شىء. فرجع الملك فوجده ميتا.
قال: وقال وهب: كان يرفع له فى كلّ يوم من العبادة مثل ما يرفع لأهل الأرض فى زمانه. فعجبت منه الملائكة، فاشتاق إليه ملك الموت، فاستأذن الله تعالى فى زيارته، فأذن له، فأتاه فى صورة غلام؛ وكان إدريس يصوم الدهر كلّه فلمّا كان فى وقت إفطاره دعاه إلى الطعام، فأبى أن يأكل معه، وفعل ذلك ثلاث ليال، فقال له إدريس فى الليلة الثالثة: إنّى أريد أن أعلم من أنت. قال:
أنا ملك الموت، استأذنت ربّى أن أزورك وأن أصاحبك، فأذن لى فى ذلك.
فقال له إدريس: فلى إليك حاجة. قال: وما هى؟ قال: اقبض روحى؛ فأوحى الله تعالى إليه: «اقبض روحه» . ففعل، ثم ردّها الله تعالى إليه بعد ساعة، فقال له ملك الموت: فما الفائدة فى سؤالك قبض الروح؟ قال: لأذوق كرب الموت وغمّه فأكون له أشدّ استعدادا.
ثم قال: لى إليك حاجة أخرى، قال: وما هى؟ قال: ترفعنى إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنّة والنار. فأذن الله تعالى له فى ذلك، فلمّا قرب من النار قال:
لى إليك حاجة. قال له: وما تريد؟ قال: تسأل مالكا حتى يفتح لى أبوابها فأردها. ففعل؛ ثم قال له إدريس: فكما أريتنى النار فأرنى الجنّة. فذهب إلى

الصفحة 41