كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 13)

كان حكمُ الصِّيامِ عند مريم وأهل زمانها عدم الكلام في الصوم متعارفًا بينهم، قَالَ تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 23] قَالَ زيد بن أسلم: كانت بنو إسرائيل يصومون بالكلامِ كما يصومون من الطعامِ، ولا يتكلمون إلا بذكر اللهِ تعالى.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أبلغك أنه يؤمر الإنسان إذا دعي إلى طعامٍ أن يقول: إني صائم؟ ثم ذكر حديث أبي هريرة (¬1).
وروي عن ابن مسعود: إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم (¬2)، وقاله قتادةُ والزهري (¬3).
والخلوف، بضم الخاء عَلَى الصواب، وهو تغير رائحة الفم، وكثير يروونه بفتحها. قَالَ الخطابي: وهو خطأٌ؛ لأن المصادر التي جاءت عَلَى فعول بفتح الفاء قليلةٌ ذكرها سيبويه وليس هذا منها، وإن كان فعله بالإسكان في المصادر أيضًا قليلة يقال: خلف فوه، يخلفُ وأخلف يُخلف إذا تغير (¬4).
وفي كتاب ابن الجُوزي: لخلوف فم الصائم: إذا هو أخلف. وقال: كذا
في كتابي: من أخلف وهو لغة، واللغة المشهورة: خلف. ولم يزد ابن بطال عَلَى قوله: يعني تغير رائحته في آخر النهار؛ لأن الفم يتغير بترك الطعام (¬5).
¬__________
(¬1) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 194 (7456) كتاب: الصيام، باب: الرفث واللمس وهو صائم.
(¬2) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 200 (7483) كتاب: الصوم، باب: الرجل يدعى إلى طعام وهو صائم، وابن أبي شيبة 2/ 318 (9439، 9442)، والبغوي في "مسند ابن الجعد" (2552)، والطبراني 9/ 315 (9578).
(¬3) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 200 (7482) كتاب الصوم.
(¬4) "إصلاح غلط المحدثين" للخطابي ص 102 بتصرف.
(¬5) "شرح ابن بطال" 4/ 12.

الصفحة 21