كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 13)

أَنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ. فَهَلْ عَلَي جُنَاحٌ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هِيَ رُخصَةٌ مِنَ اللهِ. فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ لا. قَال هَارُونُ فِي حَدِيثِهِ: "هِيَ رُخْصَةٌ" وَلَمْ يَذْكُرْ: مِنَ اللهِ
ــ
السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (أنه) أي أن حمزة بن عمرو (قال يا رسول الله أجد بي قوة) وقدرة (على الصيام في السفر فهل عليّ جناح) وذنب إن صمته في السفر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي) أي خصلة الإفطار (رخصة) أي سهولة (من الله) تعالى أي تسهيل من الله تعالى تفضل به على عباده، وتأنيث الضمير لتأنيث الخبر كما في المرقاة (فمن أخذ بها) أي بتلك الرخصة (فحسن) أي فأخذها حسن (ومن أحب أن بصوم) فصام في السفر (فلا جناح) ولا حرج ولا ذنب (عليه، قال هارون في حديثه: هي رخصة ولم يذكر من الله). وقوله (هي رخصة) يشعر بأنه سأل عن صوم الفريضة وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو، عن أبيه أنه قال: يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون دينًا علي، فقال: أي ذلك شئت يا حمزة اهـ فتح (قوله فلا جناح عليه) احتج به من جعل الفطر أفضل لقوله فيه فحسن، وقال في الصوم لا جناح ولا حجة فيه، لأن قوله لا جناح إنما هو جواب لقوله هل عليّ جناح ولا يدل على أن الصوم ليس بحسن وقد وصفهما معًا في الآخر بالحسن قلت: وإنما لم يدل على أن الصوم ليس بحسن لأن نفي الجناح أعم من الوجوب والندب والإباحة والكراهة كذا قال الأبي في شرحه، وقوله (ومن أحب أن يصوم) في مغايرة العبارة بين الشرطين إشارة لطيفة إلى أفضلية الصوم، وقوله (فلا جناح عليه) كان ظاهر المقابلة أن يقول فحسن أو فأحسن لقوله تعالى وأن تصوموا خير لكم بل مقتضى كون الأول رخصة، والثاني عزيمة أن يعكس في الجزاء بأن يقال في الأول فلا جناح عليه، وفي الثاني فحسن لكن أراد المبالغة لأن الرخصة إذا كانت حسنًا فالعزيمة أولى بذلك، ولعله صلى الله عليه وسلم علم بنور النبوة أن مراد السائل بقوله فهل عليّ جناح أي في الصوم، ويدل عليه قوله إني أجد بي قوة على الصيام اهـ مرقاة.

الصفحة 33