كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 13)

ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ
ــ
فليهل" فعينت إحرامها للعمرة وهذا قولها فكنت ممن أهل بعمرة في رواية عروة عنها، ويحتمل في الحج أيضًا أن يقال أهلت عائشة بالحج مفردًا كما صنع غيرها من الصحابة وهذا معنى قولها لا نذكر إلا الحج، وقولها مهلين بالحج ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة، وعلى هذا ينزل حديث عروة في قولها كنت ممن أهل بعمرة ثم لما دخلت مكة وهي حائض ولم تقدر على الطواف لأجل ما بها أمرها أن تحرم بالحج، وهذان الوجهان أحسن مما ذهب إليه بعض العلماء من ترجيح رواية حديث القاسم والأسود وعمرة على رواية عروة فإنه لا يصار إلى الترجيح إلا عند عدم إمكان الحج، وثانيًا أن جابر بن عبد الله قد جزم في حديثه أن عائشة أهلت بعمرة فصارت رواية عروة مؤيدة بذلك وحديث جابر عند مسلم، قال الحافظ: وكذا رواه طاوس ومجاهد عن عائشة، وعروة أعلم الناس بحديثها، والأقرب عندي هو الوجه الأول والله أعلم اهـ فتح الملهم (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي) قال النواوي: يقال هَدْي بإسكان الدال وتخفيف الياء، وهَدِيّ بكسر الدال وتشديد الياء لغتان مشهورتان الأولى أفصح وأشهر وهو اسم لما يُهدَى إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة، وفي الهداية وهذا أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدايا مع نفسه ولأن فيه استعدادًا ومسارعة (فليهل بالحج مع العمرة) قال ابن القيم: ورواه مالك في الموطإ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان معه الهدي فهو أول من بادر إلى ما أمر به، وقد دل عليه سائر الأحاديث التي ذكرناها ونذكرها، وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى إيجاب القرآن على من ساق الهدي والتمتع بالعمرة المفردة على من لم يسق الهدي منهم عبد الله بن عباس وجماعة فعندهم لا يجوز العدول عما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به أصحابه فإنه قرن وساق الهدي وأمر كل من لا هدي معه بالفسخ إلى عمرة مفردة، والواجب أن يفعل كما فعله أو كما أمر به وهذا القول أصح من قول من حرم فسخ الحج إلى العمرة من وجوه كثيرة سنذكرها إن شاء الله تعالى هذا آخر كلام ابن القيم اهـ. (قلت) والأولى أن يقال إن قوله في رواية مالك من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ورد في المحرمين بالعمرة الذين ساقوا معهم الهدي ففيه

الصفحة 401