كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 13)

وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ. وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهلَّ بِالْعُمْرَةِ
ــ
(وأهل ناس) غيرهم (بعمرة) فقط وهو المسمى بالتمتع، قالت عائشة (وكنت) أنا (فيمن أهل بالعمرة) ولم يسق الهدي، قال النواوي: وفي هذا دليل على جواز الأنواع الثلاثة، وقد أجمع المسلمون على ذلك وإنما اختلفوا في أفضلها، قال الشافعي ومالك وكثيرون: أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القرآن، وقال أحمد وآخرون أفضلها: التمتع، وقال أبو حنيفة وآخرون: أفضلها القرآن، وهذان المذهبان قولان آخران للشافعي، والصحيح تفضيل الإفراد ثم التمتع ثم القرآن، وأما حجة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها هل كان مفردًا أم متمتعًا أم قارنًا؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة وكل طائفة رجحت نوعًا وادعت أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كذلك، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج فصار قارنًا، وقد اختلفت روايات أصحابه رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هل كان قارنًا أم مفردًا أم متمتعًا؟ وقد ذكر البخاري ومسلم رواياتهم كذلك، وطريق الجمع بينها ما ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا ثم صار قارنًا، فمن روى الإفراد فنظرًا لأول أمره، ومن روى القرآن فنظرًا لآخر أمره، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق، وقد ارتفق بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة في الاقتصار على عمل واحد وهو عمل الحج، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها اهـ.
واعلم أن الإفراد هو أن يحرم بالحج في أشهره ويفرغ منه ثم يعتمر، والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منه ثم يحج من عامه، والقران أن يحرم بهما جميعًا، وكذا لو أحرم بالعمرة وأحرم بالحج قبل طوافها صح وصار قارنًا، فلو أحرم بالحج ثم أحرم بالعمرة فقولان للشافعي أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة، والثاني يصح وصار قارنًا بشرط أن يكون قبل الشروع في أسباب التحلل من الحج، وقيل قبل الوقوف بعرفات، وقيل قبل فعل فرض، وقيل قبل طواف القدوم أو غيره اهـ منه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

الصفحة 409