كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 13)

فَلَمَّا كَانَتْ لَيلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ؟ قَالتْ: فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي عَلَى جَمَلِهِ. قَالتْ: فَإِنِّي لأَذْكُرُ، وَأَنَا جَارِيةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، أَنْعُسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ
ــ
عياض: كانت هذه الهدايا تطوعًا، ففيه تطوع الرجل بالهدي عن أهله وعمن يمونه وتطوعه عن الغير بالصدقة والعتق وما يكون من باب الأموال وبالكفارة الواجبة وإن لم يأمره، وقيل إنها كانت عن قرانهن أو تمتعهن (فلما كانت ليلة الحصبة) أي ليلة النزول بالمحصب وهي ليلة النفر، قال النواوي: وهي بعد أيام التشريق، وقال القاضي عياض: والمحصب موضع بين مكة ومنى وهو إلى منى أقرب وإلى منى يضاف، ودليله قول الشاعر وهو الشافعي رحمه الله تعالى:
يا راكبًا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاطن خيفها والناهض
وأصرح منه قول مجنون بني عامر:
وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج لوعات الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرًا كان في صدري
(قلت يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة) وهذا صريح في كونها مفردة (قالت) عائشة (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم شقيقي (عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني) أي أركبني خلفه (على جمله، قالت فإني لأذكر) أي لأتذكر الآن (وأنا) أي والحال أني (جارية) أي بنت (حديثة السن) أي قليلة السن والعمر حالة كوني (أنعس) خلفه على جمله بضم العين من النعاس وهو اضطرار الإنسان إلى النوم، والفرق بينه وبين النوم أن النعاس يُسمع معه كلام الحاضرين والنوم ترى فيه الرؤيا (فيصيب وجهي) أي جبهتي (مؤخرة الرحل) أي القتب لجمله لشدة نعاسي، والمؤخرة بضم الميم وسكون الهمزة وفتح الخاء المعجمة الخشبة التي يستند إليها الراكب بظهره، والرحل بفتح الراء وسكون المهملة هو للبعير كالسرج للفرس، وفي رواية فأعمرها من التنعيم وحملها على قتب بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة رحل صغير على قدر السنام، وترجم عليه البخاري (الحج على الرحل) وكأنه أشار إلى أن التقشف أفضل من الترفه، قال ابن المنذر: اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل؟ فقال الجمهور: الركوب أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من

الصفحة 421