كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 13)

حَتَّى نَزَلْنَا بِسَرِفَ. فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: "مَنْ لَمْ يَكُنْ معَهُ مِنْكُمْ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَا"
ــ
وحالاته التي هي التجرد من محظوراته، وذكر النواوي -بعد ضبطه حرم الحج بضم الحاء والراء- ضبط بعضهم إياه بضم الحاء وفتح الراء على أن يكون جمع حرمة أي ممنوعات الحج ومحرماته اهـ، قال القرطبي: و (حرم الحج) أزمان مشهورة واليالي الحج) ليالي أيام شهوره وكررت ذلك تفخيمًا وتعظيمًا لها، ولذلك أتت بالظاهر مكان المضمر وصار هذا كقول عدي بن زيد، وقيل لسوادة بن زيد بن عدي:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
اهـ من المفهم. وعلى هذا فالمراد بالثلاثة أزمنة الحج وأوقاته، والمقصود من كلامها أنه ما كان يخطر ببالنا أن حجتنا هذه تصير بعد ذلك عمرة اهـ فتح الملهم. وقال الحافظ: وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل ثلاثة بكمالها وهو قول مالك، ونقل عن الإملاء للشافعي أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين، ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون: عشر ليال من ذي الحجة، وهل يدخل يوم النحر أو لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: نعم، وقال الشافعي في المشهور المصحح عنده: لا، وقال بعض أتباعه: تسع من ذي الحجة، ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ اهـ. قال القرطبي: وسبب هذا الخلاف هل يعتبر مسمى الأشهر وهي ثلاثة أو يعتبر الزمان الذي يفرغ فيه عمل الحج وهو أيام التشريق أو معظم أركان الحج وهو يوم عرفة أو يوم النحر وهو اليوم الذي يتأتى فيه إيقاع طواف الإفاضة وأبعدها قول من قال التاسع، وفائدة هذا الخلاف تعلق الدم بمن أخر طواف الإفاضة عن الزمان الذي هو عنده آخر الأشهر، وبسط الأحكام في كتب الفروع اهـ من المفهم.
أي خرجنا إلى مكة (حتى نزلنا بسرف) موضع قريب إلى التنعيم (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته (إلى أصحابه فقال من لم يكن معه منكم هدي فأحب أن يجعلها) أي أن يفسخ حجته إلى (عمرة فليفعل) ذلك الجعل (ومن كان معه هدي فلا) يجعلها عمرة، وهذا تخيير لهم دون أمر عزيمة، قال ابن القيم: وهذا رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات فلما كان بمكة أمر أمرًا حتما من لا هدي معه أن يجعلها عمرة ويحل من إحرامه، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه اهـ، وقال النواوي: قال العلماء خيّرهم أولًا بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناسًا بالعمرة في أشهر الحج لأنهم كانوا

الصفحة 425