كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 13)

فَمِنْهُمُ الآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا. مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي. فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. وَمَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُمْ قُوَّةٌ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي. فَقَال: "مَا يُبْكِيكِ؟ " قُلْتُ: سَمِعْتُ كَلامَكَ مَعَ أَصْحَابِكَ، فَسَمِعْتُ بِالعُمْرَةِ قَال: "وَمَا لَكِ؟ " قُلْتُ: لَا أُصَلِّي. قَال: "فَلَا يَضُرُّكِ. فَكُونِي فِي حَجِّكِ. فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا
ــ
يرون العمرة الكائنة فيها من أفجر الفجور ثم حتم عليهم بعد ذلك الفسخ وأمرهم به أمر عزيمة وألزمهم إياه وكره ترددهم في قبول ذلك ثم قبلوه وفعلوه إلا من كان معه هدي والله أعلم (فمنهم الآخذ بها) أي بالعمرة ممن ليس معهم هدي (والتارك لها) ممن كان معه هدي، قال النواوي: والضميران للعمرة اهـ وقوله (ممن لم يكن معه هدي) راجع إلى الآخذ بها (فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان معه الهدي) وكان الهدي أيضًا (ومع رجال من أصحابه لهم قوة) مالية وقدرة على سوق الهدي معهم (فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي نقال) لي (ما يبكيك؟ قلت: سمعت كلامك مع أصحابك فسمعت بالعمرة) قال النواوي: كذا هو في النسخ (فسمعت بالعمرة) قال القاضي: كذا رواه جمهور رواة مسلم، ورواه بعضهم (فمُنعت العمرة) وهو الصواب وهو لفظ البخاري، أي منعت من إتمام عمل العمرة بسبب حيضتي من الطواف والسعي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما لكِ) أي وما شأنك في منعك من الصلاة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا أصلي) كَنَتْ عن الحيض بالحكم الخاص به؛ وهو امتناع الصلاة تأدبًا منها في الكناية لما في التصريح من الإخلال بالأدب ولهذا والله أعلم استمر النساء إلى الآن على الكناية عن الحيض بحرمان الصلاة أي تحريمها فظهر أثر أدبها رضي الله تعالى عنها في بناتها المؤمنات قاله ابن المنير اهـ قسطلاني. وقوله في بناتها المؤمنات نظر فإن الأصح عدم إطلاق ذلك والنساء لا يدخلن في خطاب الرجال يعني قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لامرأة نادتها بيا أماه: أنا أم رجالكم لا أم النساء [راجع العيني في المجلد الأول ص ٤٦] (قال فلا يضرك) ذلك الحيض (فكوني في حجك) أي أحرمي بالحج أي كوني فيما هو المقصود بالخروج من الحج والإحرام له والله أعلم قاله السندي (فعسى الله) أي حقق الله سبحانه (أن يرزقكيها) كذا بياء متولدة من إشباع كَسْرةِ الكاف، وكذلك وقع في مطبوع صحيح البخاري، وفي بعض نسخه على ما ذكره شراحه (يرزقكها) بغير ياء،

الصفحة 426