كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 13)

فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ؟ " (قَال الْحَكَمُ: كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ أَحْسِبُ) وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا"
ــ
ويحلوا من إحرامهم (فإذا هم) أي الناس (يترددون) أي يتوقفون في امتثال ذلك الأمر أي فاجأني ترددهم وتوقفهم، وإذا للمفاجأة وما بعدها جملة اسمية، قال ابن الملك: ترددهم في صيرورتهم حلالًا من إحرامهم كان لعدم إحلال النبي صلى الله عليه وسلم اهـ ويدل عليه تتمة الحديث وهو قوله "ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي" (قال الحكم) بالسند السابق (كأنهم يترددون أحسب) أي أحسب وأظن شيخي علي بن الحسين قال (كأنهم يترددون) بدل قوله (فإذا هم يترددون) أي شك الحكم هل سمع من شيخه لفظة فإذا هم يترددون أو لفظة كأنهم يترددون، قال القاضي: قوله (قال الحكم كأنهم يترددون) كذا وقع هذا اللفظ وهو صحيح وإن كان فيه إشكال قال: وزاد إشكاله تغيير فيه؛ وهو قوله قال الحكم كأنهم يترددون وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحكم؛ ومعناه أن الحكم شك في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مع ضبطه لمعناه فشك هل قال يترددون أو نحوه من الكلام، ولهذا قال بعده أحسب أي أظن أن هذا لفظه، ويؤيده قول مسلم بعده في حديث غندر ولم يذكر الشك من الحكم في قوله يترددون والله أعلم اهـ (ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو كنت علمت قبل إحرامي ما علمته بعده من تردد الناس في تحللهم وانتظارهم تحللي لأحرمت بحمرة ولـ (ما سقت الهدي معي حتى أشتريه) بمكة أو ببعض جهاتها (ثم أحل كما حلوا) أي مقارنًا بإحلالهم وعدم تحللي كان لأني سقت الهدي معي والناس لم يكونوا كذلك، وسوق الهدي معي يمنع الحل إلى أن ينحر الهدي، قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وذلك يوم النحر، وقال في العون: معناه لو علمت أولًا ما علمت آخرًا وظهر لي أولًا ما ظهر لي آخرًا ما سقت الهدي اهـ، وقال ابن القيم: معنى هذا الكلام أنه لو كان هذا الوقت الذي تكلم فيه هو وقت إحرامه لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي لأن الذي استدبره هو الذي فعله ومضى فصار خلفه والذي استقبله هو الذي لم يغعله بعد بل هو أمامه فمقتضاه أنه لو كان كذلك لأحرم بالعمرة دون هدي اهـ، وقال الزرقاني: في شرحه أي لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخرًا وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي أي لما جعلت عليّ هديًا وأشعرته وقلدته وسقته بين يديّ، فإن من ساقه لا يحهل حتى ينحره وإنما ينحره يوم النحر فلا يصح له فسخ الحج بعمرة ومن لا هدي معه يجوز

الصفحة 439