كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 13)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الأبي: ولا يؤخذ منه أن التمتع أفضل لأنه تمنى أن يكون متمتعًا وإنما يتمنى الأفضل لأن الشيء قد يكون أفضل باعتبار ذاته وقد يكون باعتبار ما يقترن به، ولا يلزم أن يكون أفضل باعتبار ذاتة وهو هنا كذلك لأن هذا التكليف يقترن به أنه قصد موافقة الصحابة في الفسخ بما شق عليهم اهـ. (قلت) ونظير تمنى الانتقال من الأفضل إلى المفضول ما قال ابن عمرو بن العاص في آخر عمره: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في الصيام مع أنه كان يصوم صوم داود وهو أفضل الصيام بنص الحديث، ولكن تمنيه رضي الله عنه إنما كان لمصلحة نفسه، وتمنيه صلى الله عليه وسلم كان لمصالح ترجع إلى أمته حين شق على بعضهم امتثال ما أمر به فكان هو الأصوب إذ ذاك والله أعلم. قال الدهلوي رحمه الله: الذي بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمور منها أن الناس كانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم يرون العمرة في أيام الحج من أفجر الفجور فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل تحريفهم ذلك بأتم وجه، ومنها أنهم كانوا يجدون في صدورهم حرجًا من قرب عهدهم بالجماع عند إنشاء الحج حتى قالوا: أنأتي عرفة ومذاكيرنا تقطر منيًّا وهذا من التعمق فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسد هذا الباب، ومنها أن إنشاء الإحرام عند الحج أتم لتعظيم البيت وإنما كان سوق الهدي مانعًا من الإحلال لأن سوق الهدي بمنزلة النذر بأن يتبع على هيئته تلك حتى يذبح الهدي والذي يلتزمه الإنسان إذا كان حديث نفس أو نية غير مضبوطة بالفعل لا عبرة به وإذا اقترن بها فعل وصارت مضبوطة وجبت رعايتها، والضبط مختلف فأدناه باللسان وأقواه أن يكون مع القول فعل ظاهر علانية يختص بالحالة التي أرادها كالسوق به والله أعلم بالصواب اهـ، قال النواوي: وفي الحديث دليل على جواز قول لو في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن لو تفتح عمل الشيطان فحمول على التاسف على حظوظ الدنيا ونحوها، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال لوفي غير حظوظ الدنيا ونحوها ليُجمع بين الأحاديث بما ذكرناه اهـ من فتح الملهم، وهذه الرواية انفرد بها المؤلف رحمه الله تعالى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشريها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

الصفحة 441