كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 128 """"""
فذكروا عنه من القبائح والمنكرات وارتكاب المحرمات شيئا كثيرا ، وخانقوه على ذلك . فأطلقهم السلطان وامر بإيقاع الحوطة على موجوده . وحكى الشيخ قطب الدين اليونيني في تاريخه : أنه لما حضر أولئك لمخانقته كان ذلك بحضور الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب الأتابك ، والأمير سيف الدين قلا ون ، والأمير بدر الدين بيسرى ، والأمير سيف الدين قشتمر العجمي ، فخانقه أصحابه على كل عظيمة لا تصدر من مسلم . فقال : " ما أعرف ما تقولون . ومع هذا ، أنا ما قلت إني رجل صالح ، أنتم قلتم هذا . فإن كان الذي تقولون صحيح فأنتم كذبتم " . فقام السلطان وقال للأمراء : " قوموا بنا لئلا نحترق بمجاوبته " . فقاموا وانتقلوا إلى طراف الإيوان . فاستشار السلطان الأمراء في أمره ، فقال له الأتابك : " هذا مطلع على أسرار الدولة وبواطن أحوالها وما ينبغي إبقاؤه ، ووافقه من حضر من الأمراء على هذا الرأي ، وقالوا : ببعض ما قيل عنه يباح دمه . ففهم ما هم فيه ، فقال للسلطان : " واسمع ما أقول لك ، أنا أجلي قريب من أجلك ، وما بيني وبينك إلا مدة أيام يسيرة من مات منا لحقه الآخر عن قريب " . فلما سمع السلطان كلامه وجم ، وقال للأمراء : " ما تشيرون في هذا " ؟ فسكنوا . فقال السلطان : " أرى أن يجلس في مكان لا يصل إليه أحد ولا يسمع كلامه ، فيكون كمن قبر وهو حي " . ثم أمر به فحبس في مكان منفرد بقلعة الجبل ، ولم يدخل إليه إلا من يثق السلطان به غاية الوثوق . وكان يرسل إليه الأطعمة الفاخرة والفواكه والملابس ، واستمر في الاعتقال إلى أن توفي في سنة ست وسبعين وستمائة قبل وفاة السلطان بأحد وعشرين يوما . وسنذكر إن شاء الله تعالى ، مبدأ أمره وسياقة أخباره عند ذكر وفاته .
وفيها : هرب الأمير عمرو بن مخلول من آل فضل من قلعة عجلون هو وحامد رفيقه . وكان السلطان قد اعتقلهما في برج من أبراج القلعة ، فحفر حفيرة ملاصقة للسور ووقدوا النار حتى تكلس حجر السور ، فنقباه وخرجا منه ، وقد كانت أعدت لهما خبل سوابق فركباها وتوجها إلى بلاد التتار ، ثم ندما على ما فعلاه ، فكتبا إلى السلطان يسألان مراحمة ، فحلف أنه لا يرضي عنهما إلا أن يعودا إلى قلعة عجلون ويضعا أرجلهما في القيود على ما كانا عليه ، ففعلا ذلك وكان عودهما من بلاد التتار في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وستمائة . ولما رجعا إلى الطاعة وفعلا ما أمر السلطان به عفا عنهما وأطلقهما وأحسن إليهما .
وفي هذه السنة في رابع عشرين ذي الحجة : توفي الملك المغيث فتح الدين عمر

الصفحة 128