كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
بالكرك فيقتلونهم ويسلمون الحصن لأخ كان للملك القاهر بن الملك المعظم لأمه ، كونه ينسب إلى الملك الناصر ، وكان مقيما بالكرك لا يؤبه له . فدخل السلطان إلى الكرك بغتة ، واستدعى الرجالة ، وكانوا زهاء ستمائة ، وأمر بالقبض عليهم وشنقهم ، فشفع ما كان معه فيهم ، فأخرجهم من الحصن وقطع أيدي وأرجل ستة نفر منهم من خلاف ، كانوا سبب الفتنة . وكان السلطان قد استخدم رجالا يثق بهم ، وسفرهم إلى غزة ، ولم يعرف أحدا قصده بهم ، فأحضرهم إلى الكرك ورتبهم عوض من كان بها من الرجال . واستدعى السلطان الطواشي شمس الدين صواب السهيلي الصالحي - وكان يتولى صناعة الإنشاء بمصر - وسلم إليه الحصن ، وفوض إليه النظر في أمواله وحواصله وذخائره . وخرج متوجها إلى دمشق في يوم الجمعة ثامن عشرين ذي الحجة سنة أربع وسبعين وستمائة .
واتفق للسلطان في هذه السفرة أمور ، وشاهد أبنية ومنازل غربية في مسيره من الديار المصرية إلى الكرك . وقد ذكرها المولى محيي الدين بن عبد الظاهر واعتذر في بسط القول فيها لغرابتها . فأحبنا أن نذكر ذلك تلخيصا .
قال : رحل السلطان من قلعته يوم الخميس المذكور فنزل بلبيس ، وأقام إلى قرب وقت العصر ، ورحل فنزل رأس الملء بوادي السدير ، ورحل منه في نصف ليلة السبت ، فنزل الكراع وأقام إلى غروب الشمس ، وحمل الملء لكفاية يومين ، وتوجه على طريق البدرية ، وساق سوقا عنيفا إلى وقت الفجر من يوم الاثنين ، لم يرح ولم يسترح إلا بقدر ما تشرب الخيل الملء وتستوفي العليق ، فنزل جبل بدر ، ثم ركب بعد الإسفار لشدة الوعر فوصل إلى بدر ، ونزل عند العين .
قال : وهي عين تخرج من جبل أخضر ليس فيه ثبات ، ومنيعها من جهة الغرب تحت جبل شاهق ، وهي شكل مغارة منقوبة ، يدخل الإنسان منها مقدار عشرة خطى ، فيجد عينا تنبع عن بسرة الداخل إليها . وكان السلطان قبل وصوله إلى العين قد بعث جماعة من العرب وأمرهم أن يجمعوا من ماء العين ما يكون حاصلا للورد ، فصنعوا حول العين حياضا في الأرض شكل البرك محوطة بالحجارة ، وملأوها من ماء العين ، فوردها السلطان ومن معه ،