كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
وارتفقوا بها ، ولولا ذلك لهلكوا من الازدحام على الماء . ثم دخل السلطان بنفسه إلى المغارة ، وجلس عند العين ، وكان يملأ لمن معه قربهم بيده ويناول كل قرية لصاحبها حتى ملأوا ما معهم . ثم رحل من بدر فنزل حسنة ، وهي بئر واحدة . ورحل منها حتى انتهى إلى عين تعرف بالمليحة فوردها . ورحل وبات تحت جبل يعرف بنقب الرباعي ، فلما أسفر الصبح صعد إلى الجبل وإذا هو جبل عظيم به عقاب صعبة - وهي حجارة رخوة تشبه الرمل المتجمد ، متغيرة الألوان إلى الحمرة والزرقة والبياض - وثم ثقوب في الجبل يعبر الراكب منها ، وبها أمكنة تشبه السلالم من حجارة . وبها قبر هارون نبي الله أخا موسى بن عمران ، عليهما السلام ، على يسره السالك المتوجه إلى الشام . وثم قلعة تعرف بالأصوات صعدها السلطان وشاهدها ، فوجدها من أعجب الحصون وأمنعها لا يكون أحصن منها . ونزل من نقوب الرباعي إلى مدائن بني إسرائيل ، وهي ثقوب من الجبال من أحسن الأشكال ذات بيوت بالعمد وأبواب ، وظواهر البيوت مصوفة بالنقوش في الحجارة بالإزميل ، وكلها مخربة ، بها صور أشكال وهي على قدر دور الناس المبنية الآن ، وداخل هذه البيوت الأواوين المنورة المعقودة والصفف المتقابلة والخزائن والدهاليز والحرميات . وليس ذلك مبنيا بل جميعه منحوت بالحديد أشكال المغاير .
قال : وقد خلق الله تعالى جبلين متقابلين ، بينهما طريق ، وكل جبل منهما كأنه شكل سور مرتفع ، والدور متصلة يمينا وشمالا . ثم خرج السلطان من تلك الأمكنة إلى وادي المدرة ، ثم منه إلى قرية تعرف بالعذبة ، عرفت بذلك لأن بها العين التي بجسها موسى بن عمران عليه السلام بعصاه ، وكانت تجري دما ، فقال : " عد بأمر الله ماء عذبا " فعادت العين ماء حلوا رائقا باردا . فبات السلطان بها ، ورحل منها ليلة السبت حادي عشرين الشهر ، فوصل قلعة الشوبك نصف نهار الأحد ، وخيم هناك ، وحضر أمراء بني عقبة وغيرهم من أمراء العربان ، وقدموا الخيول والهجن وغير ذلك ، ثم رحل من الشوبك نصف نهار الاثنين على طريق الحسا ، فوصل إلى الكرك نصف نهار الثلاثاء ثالث عشرين الشهر .
قتال : ولما كان في سابع وعشرين الشهر يوم الجمعة خرج السلطان إلى باب قلعة الكرك ، وأحضر رجالها ، وذكر من خبر إخراجهم نحو ما تقدم .