كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 16 """"""
صولة مغضب ، وأعاده لها سلما بعد أن كان عليه حربا ، وصرف لها اهتمامه فرجع كل مضيق من أمرها واسعا رحبا . ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوا وعطفا ، وأظهر من الولاء رغبة في ثواب الله مالا يخفى ، وأبدى من الاحتفال بأمر الشريعة والبيعة أمرا لورامه غيره لا متنع عليه ، ولا تمسك بحبله متمسك لانقطع به قبل الوصول إليه ، لكن الله أدخر هذه الحسنة ليثقل بها ميزان ثوابه ، ويخفف بها يوم القيامة حسابه . والسعيد من خفف حسابه ، فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلدها في صحف صنعه ، ومكرمة " قضت " لهذا البيت الشريف النبوي بجمع شمله بعد أن حصل الإياس من جمعه " .
" وأمير المؤمنين يشكر الآن " لك " هذه الصنائع . ويعترف أنه لولا اهتمامك بأمره لاتسع الخرق على الراقع . وقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية والديار الجزرية ، والبكرية ، والحجازية ، واليمنية وما يتجدد من الفتوحات غورا ونجدا ، وفض أمر جندها ورعاياها إليك حتى أصبحت بالمكارم فردا : وكل جعل منها بلدا من البلاد ولا حصنا مستثنى ولا جهة من الجهات تعد في الأعلى ولا في الأدنى " . فلاحظ أمور الأمة فقد أصبحت لثقلها حاملة ، وخلص نفسك اليوم لك التبعات ، ففي غد تكون مسئولا عنها لا سائلا . ودع الاغترار بأمر الدنيا ، فما نال أحد منها طائلا ، وما لحظها أحد بعين الحق إلا رآها خيالا زائلا ، فالسعيد من قطع منها آماله الموصولة ، وقدم لنفسه زاد التقوى فتقدمته غير التقوى مردودة لا مقبولة . وأبسط يدك بالإحسان والعدل ، فقد أمر الله بالعدل والإحسان وكرر ذكره في مواضع من القرآن ، وكفر به عن المرء ذنوبا كتبت عليه آثاما ، وجعل يوما واحدا منه كعبادة ستين عاما ما سلمك " أحد " سبيل العدل واجتنيت ثماره من أفنان ، ورجع الأمن بعد تداعى أركانه مشيد الأركان ، وتحصن به من حوادث الزمان فكانت أيامه في الأيام أبهى من الأعياد ، وأحسن من الغرر في أوجه الجياد ، وأحلى من العقود إذا حلى بها عاطل الأجياد " .
" وهذه الأقاليم المنوطة بنظرك تحتاج إلى حكام وأصحاب رأى من أرباب السيوف والأقلام ، فإذا استعنت بأحد منهم في أمرك فنقب عليه تنقيبا ، واجعل عليه في تصرفاته رقيبا ، وسل عن أحواله ، ففي يوم القيامة تكون عنه مسئولا وبما اجترم

الصفحة 16