كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
أبواب يرمى التراب فيها ويترك في هذه السروب حتى يساوي أرضها بأرض الخندق ، وعذق هذا الأمر بعز الدين أيبك الفخري أحد أصحاب الأتابك ، فاستمر العمل في هذه الخنادق والسلطان طائف فيها بنفسه ويعمل بيده ، وهو تارة في السروب ، وتارة في الأبواب التي تفتح ، وتارة على حافة البحر ، ويرامي مراكب الفرنج ويجر في المنجنيق ويرمي من الستائر .
وحكى عنه الأمير جمال الدين بن نهار ، رحمه الله ، قال : " رأيت السلطان في هذا النهار رمى بثلاثمائة سهم نشابا " . واتفق أن السلطان حضر إلى السرب وقعد في رأسه خلف طاقة يرمى فيها ، فخرج جماعة من الفرنج الفرسان ومعهم الرماح بالخطاطيف فلم يشعر إلا وهم على باب السرب ، فقام وقاتلهم يدابيد ، وكان معه الامير شمس الدين سنقر الرومي والأمير بدر الدين بيسرى والأمير بدر الدين الحزندار وغيرهم . وصار سنقر الرومي يناوله الحجارة ، فقتل بها فارسين ، وقطع الأمير حسام الدين الدوادار أحد الخطاطيف بسيفه وجرح في عضده ، ورجع الفرنج على أسوأ حال .
وحضر في هذه الغزاة جمع كبير من العباد والزهاد والفقهاء والفقراء وأصناف العباد ، ولم يعهد فيها خمر ولا شيء من الفواحش ، بل كانت النساء الصالحات يسقين الملء ويجرون في المجانيق . وأطلق السلطان لجماعة من الصالحين الرواتب مثل : الشيخ على المجنون والشيخ إلياس ، وأطلق للشيخ على البكا جملة من المال .
قال : واهتم بأمر المجانيق واحضرها من دمشق ، وعمل كرمون أغا منجنيقا بسبعة سهام وأثر أثرا حسنا . وكان للأمير عز الدين أيبك الأقرم أمير جاندار في هذه الغزاة أوفر نصيب ، وهو الذي تولى أمر المجانيق .
قال : ولما أثرت المجانيق في هذه الأسوار ونجزت الأسربة التي إلى جانب الخندق من الجهتين وفتحت فيها أبواب متسعة حصل الزحف على أرسوف في يوم الاثنين ثامن شهر رجب سنة ثلاث وستين وستمائة ، وافتحت في يوم الخميس . وذلك أن الباشورة سقطت في الساعة الرابعة من النهار ، وطلع المسلمون إليها