كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 183 """"""
يرى رفيقه قد قتل فيجره ويقف مكانه ، وتكاثرت النقوض ودخلت النقابون إليها ، وأعطاه السلطان ثلاثمائة دينار ، وصار كل من عمل شيئا جزاء السلطان لوقته عنه بالخلع والمال . وفي أثناء ذلك نظر السلطان إلى الناس وقد تعبوا في وقت القائلة من القتال ، وتفرق بعضهم وهو راكب ملازم ، فأمر خواصه بالسوق إلى الصواوين وإقامة الأمراء والجند منها بالدبابيس ، وسب الأمراء . وقال : " المسلمون على هذه الصورة وأنتم تستريحون " ورسم بأمساك الأمراء وكانوا نيفا وأربعين أميرا فقيدهم ونقلهم إلى الزردخاناه ، فوقعت الشفاعة فيهم فأطلقهم وأمرهم بملازمة مواضعهم . ووسعت النقوب وشرطت الأسوار ، فحرق الفرنج الستائر التي كانت على الباشورة ليحموها من التسلق . فأمر السلطان بضرب الطبلخاناه ، وقام كل أحد إلى جهته ، فضرب المسلمون سكك الخيل في سفح الباشورة ، فما أصبح الصبح إلا والصناجق على أسوار الباشورة من كل جهة ، واندفع الفرنج إلى القلعة وسلموا الباشورة في يوم الثلاثاء نصف شوال . وفي هذا اليوم أخذت النقوب في برج اليتيم وغيره من أبراج القلعة . فعند ذلك أتت رسل الفرنج إلى السلطان يسألون الأمان ، فاشترط عليهم ألا يستصحبوا سلاحا ولا لامة حرب ولا شيئا من الفضيات ، ولا يتلفوا ذخائر القلعة بنار ولا هدم ، فعادوا لأصحابهم على ذلك . وبقي السلطان يعطي الأمانات من المرامي ويسير المناديل ، وتقرر مع جماعة أنهم يفتحون الأبواب ، فتسامع الفرنج بذلك ، ووقع بينهم الاختلاف ، وحضر خمسة عشر نفرا من القلعة منفردين في وقت واحد فخلع عليهم ونودي في العسكر بأن لا يرموا أحدا من الفرنج غير الديوية . فأمسك الفرنج من تلك الساعة عن القتال ، وردوا الأمان وقالوا : " ما ندخل في شرط " ، ورمي الرسل الخلع والمال المنعم عليهم من الأسوار . ثم أيقنوا بالهلاك ، فسيروا رسلهم في يوم الجمعة ثامن عشر الشهر يطلبون ما كانوا يطلبوه أولا ، فامتنع السلطان من ذلك ، فأخذ الأتابك منديل جمال الدين أقش القليجي مقدم الجمدارية وأعطاه لهم على أنهم لا يخرجون شيئا مما ذكرناه . فتوجه الرسل وصاح الفرنج بعد صلاة الجمعة : " يا مسلمين الأمان " وفتحت أبواب القلعة وقت العصر ، وطلعت الصناجق . ووقف السلطان راكبا على باب صفد ، ونزل الفرنج أولا فأولا وصاروا جميعهم بين يديه ،

الصفحة 183