كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
توزن بالقنطار ، وداماتك وكل أربع منهن تباع ، فتشتري من مالك بدينار ، ولو رأيت كنائسك وصلبانها قد كسرت ونشرت ، وصحفها من الأناجيل المزورة قد نثرت ، وقبور البطارقة قد بعثرت . ولو رأيت عدوك المسلم وقد داس مكان القداس والمدبح ، وقد ذبح فيه الراهب والقسيس والشماس ، والبطارقة وقد دهموا بطارقة ، وأبناء الملوك وقد دخلوا في المملكة . ولو شاهدت النيران وهي في قصورك تخترق ، والقتلى بنار الدنيا قبل الآخرة تحترق ، وقصورك وأحوالها قد حالت ، وكنيسة بوليص وكنيسة القسيان قد زلت كل منها وزالت ، لكنت تقول : " يا ليتني كنت ترابا ، ويا ليتني لم أوتي بهذا الخبر كتابا " ، ولكانت نفسك تذهب من حسرتك ، ولكنت تطفئ تلك النيران بماء عبرتك . ولو رأيت مغانيك وقد أقفرت من معانيك ، ومراكبك وقد أخذت في السويدية بمراكبك ، فصارت سوانيك من شوانيك ، لتيقنت أن الإله الذي أنطاك أنطاكية منك استرجعها ، والرب الذي أعطاك قلعتها منك قلعها ، ومن الأرض اقتلعها . ولتعلم أنا قد أخذنا بحمد الله منك ما كنت أخذته من حصون الإسلام وهو : ديركوش ، وشقيف تلميس ، وشقيف كفر دنين ، وجميع ما كان من بلاد انطاكية ، " و " استنزلنا أصحابك من الصياصي وأخذناهم بالنواصي ، وفرقناهم في الداني والقاصي ، ولم يبق شيء يطلق عليهم اسم العصيان إلا النهر ، فلو استطاع لما سمي بالعاصي ، وقد أجرى دموعه ندما ، وكان يذرفها عبرة صافية ، فهو أجراها بما سفكناه فيه دما " .
" وكتابنا هذا يتضمن البشرى لك بما وهبك الله من السلامة وطول العمر ، بكونك لم تكن لك في أنطاكية في هذه المدة إقامة ، وكونك ما كنت بها ستكون إما قتيلا ، وإما أسيرا ، وإما جريحا ، وإما كسيرا . وسلامة النفس هي التي يفرح بها الحي ، إذا شاهد الأموات ، ولعل الله ما أخرك إلا لأن تستدرك من الطاعة والخدمة ما فات . ولما لم يسلم أحد يخبرك بما جرى خبرناك ، ولما لم يقدر أحد يباشرك بالبشرى بسلامة نفسك