كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 200 """"""
المسمى الحسكروت ، وجعل منه باب في الجبل ينزل منه إلى المدينة ، وعليه قناطر يعبر الناس عليه ، وإذا امتلئ يخرج من تحت السور ، وساقوا الملء إليها في قناتين : البوليط والعاوية .
ولما فرغت حضر الملك إليها ورأها فأكرم الصناع ومد لهم طعاما ثلاثة أيام ، وأمر ببناء الأدر والدكاكين ، فشرع الناس في بنائها ووهب كل من يحضر إليها وينزل حولها خراج ثلاث سنين ، وبنى الكنائس وبيوت عباداتهم فاجتمع العالم إليها .
واتفق أن الملك جلس في بعض الأيام وهو مسرور فرح ، فقال له وزيره : " لو عرفت ما أنفقت في هذه المدينة ما كنت تفرح " فاستيقظ لنفسه وأمر بعمل حساب ماأنفق فيها سوى الضيافات والجواميس التي أخذت من المروج والبهائم بغير ثمن ، فجاء أربعة آلاف قنطار وخمسين قنطارا ذهبا ، فعظم ذلك عنده ، وأمك عن العمارة ، وشرع في بناء المدائن تغل ، فبنى سبع مدائن ، وأسكن الناس فيها . واستمرت في يد الملك ومن ملك بعده ، وعمارتها تتزايد ، وكل ملك يؤثر بها تأثيرا ويجدد بها طلسما إلى أن ظهر المسيح عليه السلام . وما زالت في يد الروم إلى أن فتحها المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه كما قدمناه في خلافته . ولما ولي معاوية بن أبي سفيان نقل إلى أنطاكية في سنة اثنتين وأربعين جماعة من الفرس وأهل بعلبك وحمص ، وكان منهم : مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن مسلم الأنطاكي . ولم تزل بيد عمال الخلفاء في الدولتين الأموية والعباسية ، ثم استقرت في يد بني حمدان . فلما مات سيف الدولة ابن حمدان اتفق أهلها أنهم لا يمكنون أحدا من الحمدانية يدخلها ، وولوا شخصا يسمى بغلوش الكردي ، وكان قد ورد الغزاة من خراسان خمسة آلاف رجل فأمسكهم وتقوى بهم واشتد أمره ، وكان منهم رجل أسود من الصعاليك يعرف بالزعلي قد جمع طائفة وسموا نفوسهم بالغزاة . فدخل يوماً عليه السلام ، فقتل الكردي وهرب أصحابه ، واستولى الأسود على المدينة هو ومن معه . وكان في بغراس نائب للروم اسمه ميخائيل البرجي وبطرس . فحضرا إليها في جمع كبير ، فعجز المسلمون عن حفظها لاتساعها ، فملكها الروم في يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة . فطرح المسلمون النار بينهم وبين الروم ، وفتحوا باب البحر وخرجوا منه . وأسر الروم جميع من كان المسلمين ، فتقوى الروم بفتحها ، وتوجهوا إلى حلب

الصفحة 200