كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 209 """"""
جمادى الآخرة توجه إلى حصن الأكراد بمقدار ما ثنى فارس بغير عدة ، وصعد جبل الحصن في أربعين فارسا ، فخرج له جماعة من الفرنج ملبسين ، فحمل عليهم وكسرهم ، وقتل منهم جماعة ووصل إلى الخندق ، وقال - وهو متنكر لا يعرف من هو - : " قولوا لذلك الرسول الذي حضر سنة طرابلس يخلي الفرنج الغرب يخرجوا ، فما نحن أكثر من أربعين فارسا بأقبية بيض " . وعاد إلى مخيمه ، ورعت الخيول المروج والزروع ، فكان ذلك أحد أسباب الإستيلاء على الحصن لأنه ليس له مادة إلا من زرع بلده . فلما توجه السلطان ، وفي سنة تسع وتسعين وستمائة إلى الشام ، وأغار على طرابلس كما قدمنا نازل حصن الأكراد ، في تاسع شهر رجب من السنة وملك أرباض الحصن في العشرين منه ، وحضر الملك المنصور صاحب حماة ، فتلقاه السلطان وترجل لترجله ، وساق السلطان تحت صناجق صاحب حماة بغير جمدارية ولا سلاح دارية أدبا معه ، وسير إليه دهليزا أمره بنصبه . ووصل الأمير سيف الدين صاحب صهيون ، والصاحب نجم الدين صاحب الدعوة . وفي أواخر شهر رجب ، تكمل نصب عدة مجانيق ، وفي سابع شعبان ، أخذت الباشورة بالسيف ، وفي سادس عشر الشهر ، تشقق برج من أبارج القلعة ، وزحف العسكر وطلع الناس إلى القلعة وتسلموها ، وطلع الفرنج القلعة " الأخرى " وأحضرت جماعة من الفرنج والنصارى ، فأطلقهم السلطان ، نقلت المجانيق إلى القلعة ونصبت على القلة . وكتب السلطان كتابا على لسان مقدم الفرنج بطرابلس إلى من بالقلعة يأمرهم بالتسليم . ثم طلبوا الأمان ، فكتب لهم أمان على أنهم يتوجهون إلى بلادهم . وفي يوم الثلاثاء رابع عشرين شعبان ، خرج الفرنج من القلعة وجهزوا إلى بلادهم ، وتيلم السلطان الحصن . ورتب الأمير صارم الدين الكافري نائبا بحصن الأكراد ، وفوض أمر عمارة الحصن إلى الأمير عز الدين أيبك الأفرم وعز الدين أيبك الشيخ .
وهذا الحصن كان قديما يبد المسلمين ، فلما نازل صنجيل طرابلس كان يشن الغارات على هذا الحصن وما قاربه من الحصون ، ثم قصده في سنة ست وتسعين وأربعمائة وحاصره وضيق على من به وأشرف على أخذه ، فاتفق قتل جناح الدولة صاحب حمص فطمع فيها ورحل عنه . وهلك صنجيل وملك ابنه ، فجرى على عادة أبيه في أذية أهل هذا الحصن وإفساد أعماله ، ثم فارقه وتوجه لحصار بيروت . فجاء

الصفحة 209