كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
يوم الأربعاء سابع عشر رمضان ، ورتب طلوع المجانيق ، وركب بنفسه على الأخشاب فوق العجل في تلك الجبال إلى أن أوصلها إلى مكان نصبت به ، وشرع في نصيب المجانيق الكبار في العشرين من الشهر . وفي هذا اليوم ، استشهد الأمير ركن الدين منكورس الدواراري ، وكان يصلي في خيمته فجاء حجر منجنيق فمات ، رحمه الله تعالى . وفي التاسع والعشرين من الشهر ، طلب أهل الحصن الأمان ورفعت الصناجق السلطانية على أبراجه ، وفي يوم الثلاثاء سلخ الشهر ، خرج أهل حصن عكار منه ، جهزوا إلى مأمنهم ، وعيد السلطان بالحصن " ورحل إلى مخيمه بالمرج .
وهذا الحصن يعرف بابن عكار ، وكان بيد المسلمين ، فلما ملك الفرنج طرابلس وغيرها ترددت الرسائل بينهم وبين طغتكين وهو بحمص ، فوقع الاتفاق على أن يكون للفرنج ثلث بلاد البقاع ويتسلمون حصن المنيطرة وحصن عكار ، وإلا يتعرضوا إلى البلاد بغارة . وتقرر معهم أن مصياف وحصن الوادي وحصن الطوبان وحصن الأكراد في الصلح ، ويحمل إلى الفرنج مال عنها . فلما تسلم الفرنج الحصنين عادوا إلى ما كانوا عليه الغارات ، وصار هذا الحصن لما تسلمه الفرنج من أضر شيء على المسلمين المارين من حمص إلى بعلبك ، ولم يكن له كبير ذكر فيما مضى ، إلى ان وصل ريدافرنس إلى الساحل بعد فكاكه من الأأسر بمصر فرآه حصنا صغيرا ، فأشار على صاحبه الأبرنس أن يزيد فيه وهو يساعده في عمارته ، فزاد فيه زيادة كثيرة من جهة الجنوب . وهو في واد بين جبال محيطو به من أربع جهاته .
ولما فتحه السلطان الملك الظاهر كتب إلى صاحب طرابلس ما مثاله قبل البسملة : " قد علم القومص يمند - جعله الله ممن ينظر لنفسه ويفكر في عاقبة يومه من أمسه - نزولنا بعد حصن الأكراد على حصن عكار ، وكيف نقلنا المنجنيقات إليها في جبال تستصعبها الطيور لاختيار الأوكار ، وكيف صبرنا في جرها على مناكدة الأوحال ومكابدة الأمطار ، وكيف نصبنا المنجنيقات على أمكنة يزلق عليها النمل إذا مشى ، وكيف هبطنا تلك الأودية التي لو أن الشمس من الغيوم ترى بها ما كان غير جبالها رشا ، وكيف صارت رجالك الذين ما قصرت في انتخابهم ، وحسنت بهم استعانة نائبك الذي انتحى بهم " .