كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
وكتابنا هذا يبشرك أن علمنا الأصفر نصب مكان علمك الأحمر ، وأن صوت الناقوس صار عوضه الله أكبر ، ومن بقي من رجاله أطلقوا ولكن جرحى القلوب والجوارح ، وسلموا ولكن من ندب السيوف إلى بكاء النوايح ، وأطلقناهم ليحدثوا القومص بما جرى ، ويحذروا أهل طرابلس أنهم يغترون بحديثك المفتري ، وليروهم الجراح التي أريناهم بها نفادا ، ولينذروه لقاء يومهم هذا ، ويفهموكم أنه ما بقي من حياتكم إلا القليل ، وأنهم ما تركونا إلا على رحيل ، فتعرف كنائسك وأسوارك أن المنجنيقات تسلم عليها إلى حين الاجتماع عن قريب ، ونعلم أجساد فرسانك أن السيوف تقول إنها عن الضيافة لا تغيب ، لآن أهل عكار ما سدوا لها جوعا ، ولا قضت من ريها بدمائهم الوطر ، وما أطلقوا إلا لما عاقب شرب دمائهم . وكيف لا ، وثلاثة أرباع عكار عكر . يعلم القومص هذه الجملة المسرودة ويعمل بها ، وإلا فيجهز مراكبه ومراكب أصحابه ، وإلا فقد جهزنا قيودهم وقيوده .
وقال المولى محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر :
يا مليك الأرض بشرا . . . ك فقد نلت الإرادة
إن عكار يقينا . . . هي عكا وزيادته
ذكر صلح طرابلس
قال : ولما استقر أمر حصن عكار رحل السلطان من منزلته بالأرزوية هو وجميع العساكر والأثقال ، وساق على عزم حصار طرابلس ، فوردت الأخبار أن ملك الإنكتار وصل إلأى عكا ، في أواخر شهر رمضان من هذه السنة ، وصحبته ثلاثمائة فرس ، وثماني بطس وشواني ومراكب تكملة ثلاثين مركبا ، غير ما كان سبقه صحبة استاد داره ، وأنه يقصد الحج . ففتر عزم السلطان ونزل قريبا من طرابلس جريدة ، وتردد الأتابك إلى جهة طرابلس ، والأمير سيف الدين الدوادار واجتمعا بصاحبها . وأراد السلطان قدر ما بقي من الأشجار ، فسير البرنس يطلب الصلح وخرج وزراؤه ، وكتبت الهدنة لمدة عشر سنين . وجهز السلطان فخر الدين من جلبان ، وشمس الدين الأخنائي شاهد الخزانة ومعهما ثلاثة آلاف دينار مصرية لفكاك الأسرى وتوجه السلطان إلى حصن عكار ، ثم عاد إلى مخيمه بالأرزونية ، ثم توجه إلى حصن الأكراد ،