كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
والشامية إلى جهة حارم ، ثم جهز الأمير علاء الدين الحاج طيبرس الوزيري بجماعة من العساكر وجماعة من العربان وعد التتار البر الشامي لقصد الرحبة فتقسم فكر السلطان ليقسمهم على البيرة والرحبة ، ورحل من ظاهر دمشق ، فبلغه رحيل العدو عن الرحبة ، فجد في مسيره ووصل إلى الفرات إلى مخاضة تعرف بمخاضة الحمام ، فوجد التتار قد وقفوا على شط الفرات ، وعدتهم قريب الخمسة آلاف فارس ، ومقدمهم جنقر أحد مقدميهم الكبار وحفظوا فم المخاضة . وكان السلطان قد استصحب عدة مراكب من دمشق وحمص فرست في الفرات ، وركب فيها الرجالة الاقجية لكشف البر . وعمل التتار مكيدة : وهي أنهم تركوا المخاضة السهلة ووقفوا على مكان بعيد الغور وعملوا الستائر ، فاعتقد المسلمون أن المكان الذي حفظوه هو المخاضة السهلة فخاضوا منه ، وكان العدو قد عملوا سيبا على البر من جانبهم ليقاتلوا من ورائها ، فرتبت العساكر الإسلامية نفوسها بخيولها ، وعاموا أطلابا ، الفارس إلى جانب الفارس ، متماسكين بالأعنة معتمدين على الرماح ، كما قال القائل :
فعمنا إليهم بالحديد سباحة . . . ومن عجب أن الحديد يعوم
وازدحم الناس وانسكر الماء بهم فصار كالجبال . وطلع المسلمون ، والسلطان في أوائل القوم ، فلم يلبث التتار أن انهزموا أقبح هزيمة ، وقتل مقدمهم جنقر وجماعة كثيرة منهم وأسرت جماعة ، وأقام السلطان إلى العصر وجمع الأسرى ورؤوس القتلى وبات في مكان النصر ، والعساكر لابسة والخيل ملجمة ، وأصبح يوم الاثنين بمنزلته حتى عاد من كان قد ساق خلف العدو ، واستبرئ أمر العدو ، ثم عادت العساكر ، وكان العود عليهم أشق .
ولما صار السلطان بالبر الشامي بلغه أن التتار الذين كانوا نازلوا البيرة ومقدمهم درباي قد هربوا وتركوا أزوادهم والمجانيق التي معهم ، ورموا النار في بعض ذلك ، ونزل أهل البيرة وحملوا من ذاك شيئا كثيرا . فنزل السلطان على جبل مشرف قرب البيرة من الجانب الشامي ، وتوجه إليها على الجسر الذي مده العدو وهو جسر كبير تحته المراكب والصواري والسلاسل ، ومعه جماعة من الأمراء ، وأنعم على النائب بها بألف دينار ، و " الأمير سيف الدين " الصروي المجرد بها بألف دينار ، وعم من بها بالتشاريف ، وأنعم على أهل الثغر بمائة ألف درهم ، وجرد بها جماعة زيادة من بها ، وعاد إلى مخيمه ، وسار إلى دمشق فدخلها في ثالث جمادى الآخرة والأسرى بين يديه .