كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
وأما العسكر والعربان الذين توجهوا إلى جهة البيرة فوصلوا إلى رأس عين وغنموا غنائم كثيرة ، وانهزم من كان في تلك الجهة من التتار ، وعاد العسكر سالما منصورا . ووصل السلطان إلى المصيصة وأحرقت من الجانبين .
ولما تكامل حضور الأمراء بالغنائم وخروج التركمان والعربان الواصلين إلى الطاعة من الدربندات ، رحل السلطان وعبر على بحيرة بها أغصان ملتفة مثل الغابة وبها جزائر قد تحصن بها جماعة من تلك البلاد ونقلوا إليها حريمهم وأموالهم ، فرمى العسكر نفوسهم فيها عوما بالخيل فقتلوا وسبوا . ثم عبروا على تل حمدون ، وقلعة النقير فعاثت العساكر فيهما ، وخرج العسكر من الدربندات فشاهدوا الغنائم قد ملأت المروج طولا وعرضا ، فوقف السلطان بنفسه وفرق الغنائم وعم بها الناس ، وما أخذ لنفسه شيئا منها . ثم سار بعد القسمة فنزل دهليزه بحارم .
فقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر :
يا ملك الأرض الذي عزمه . . . كم عامر للكفر منه خرب
قلبت سيسا فوقها تحتها . . . والناس قالوا سيس لا تنقلب
ذكر شيء من أخبار بلاد سيس وسبب استيلاء الأرمن عليها
المصيصة بناها عبد الملك بن مروان في أيام أبيه ، في سنة أربع وثمانين من الهجرة النبوية .
وأما طرسوس فهمي من المدن القديمة ، وفيها دفن الخليفة عبد الله المأمون بن الرشيد كما ذكرنا .
وطرسوس وأذنة وما يليهما تسمى قيليقيا ، وتعرف هذه البلاد بالدروب والعواصم ، وبها كان الغزو والرباط والجهاد والمثاغرة ، وكانت مضافة إلى مملكة مصر في إمارة أحمد بن طولون ومن بعده ، حتى استولى الروم عليها كما قدمنا واستمرت بيد الروم إلى أن استولى عليها مليح بن ولان الأرمني ، وذلك في أيام العادل نور الدين الشهيد ، بمساعدته ، وهزم " مليح " جيش الروم فقوى عند ذلك البلاد ، وكانت هزيمته للروم في يوم الأحد سلخ شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وخمسمائة ، وأسر من مقدميهم ثلاثين أسيرا ، فأحسن إليه نور الدين وخلع عليه ، وكتب إلى بغداد يعظم أمر الروم ويذكر أن هذا مليح الأرمني من جملة غلمانه ، وأنه كسر الروم ، ومن بذلك على أهل بغداد .