كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 232 """"""
البلاد خرج إليه البرواناه بمن معه ، وتوجه في خدمته بالعساكر إلى أن وصل إلى البلستين ، ووقف على موضع المعركة ، فتأسف على المغل وبكى ، ثم قصد منزلة السلطان الملك الظاهر ، فقاسها بعصا الدبوس فعلم عدة من كان نازلا بها من العساكر وأنكر على البرواناه كونه لم يغرفه جلية حال العسكر ، فاعتذر بأنه ما علم بذلك ، وأن العسكر حضر بغتة ، فلم يقبل عذره . وكان الأمير عز الدين آيبك الشيخ في خدمة أبغا ، فقال له : أرني مكان الميمنة والقلب والميسرة فأقام له في كل منزلة رمحا ، فلما رأى بعد ما بين الرماح قال : " ما هذا العسكر الذي حضر معي يكفي هؤلاء " ، وكان في خدمته من عسكره ثلاثون ألف ، وكان قد سيرهم إلى الشام فأعادهم من كينوك ، وتوجه إلى قيسارية وسأل أهلها فقال : " هل كان مع صاحب مصر جمال ؟ " ، فقالوا : " لم يكن معه إلا خيل وبغال " ، فقال : " هل نهب منكم شيئا ؟ " ، قالوا : " لا ، إلا مشتري بالذهب " ، فقال : " منذ كم فارقكم ؟ " قالوا : " منذ خمسة وعشرين يوما " فقال : " هم الآن عند جمالهم " . ثم عزم على قتل من بقيسارية من المسلمين ، فاجتمع إليه القضاة والفقهاء ، وقالوا : " هؤلاء رعية ولا طاقة لهم بدفع عسكرنا إذا نزل عليهم ، وهم مع الزمان عبيد من ملك " ، فسلم يرجع إلى ذلك ، وأمر بقتل جماعة من أهل البلد ، وقتل قاضي القضاة جلال الدين حبيب ، وأمر عسكره أن يبسط في المملكة الرومية ، فقتل من الرعايا ما يزيد على مائتي ألف ، وقيل بلغت عدة من قتل من الرعايا والفلاحين وغيرهم خمسمائة ألف من قيسارية إلى أرزن الروم ولمن يقتل أحداً من النصارى ، ثم عاد أبغا إلى الأردو ، وكان من خبر قتل البرواناه معين الدين ما قدمنماه .
نعود إلى سياقة أخبار السلطان الملك الظاهر
قد قدمنا أن السلطان نزل بالقرب من حارم ، وعيّد عيد الأضحى هناك ، وحضر إلى خدمته أمراء بني كلاب ، ثم نزل السلطان بالقرب من أنطاكية في مروجها ورحل إلى دمشق ، فكان دخوله إليها في خامس المحرم سنة ست وسبعين وستمائة وقيل في سابعه .

الصفحة 232