كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 234 """"""
وأصبح وليس عنده ذلك الانبعاث . فلما انقضت مدة أجله ، وانطوت صحيفة عمله ، قبض الله روحه الزكية ، ورجعت إلى ربها راضية مرضية ، وذلك بعد الزوال من يوم الخميس سابع عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة .
وكأن نفوس العالم كانت نفسا ، وأنزل الله السكينة فلا تسمع إلا همسا ، واستصحب مهابته السكون وخادعت العقول حتى أن ما كان من وفاته كاد كل يحلف إنه ما يكون .
وحمل في محفة إلى قلعة دمشق في تلك اليلة ، وسكنت الشفاة والألسنة ، وتناومت العقول من غير نوم ولا سنة . وجعل في بعض القاعات بالقلعة على سرير يوما إليه بالترحم والسلام ، ولا يزوره غير الملائكة الكرام .
قال المؤرخ : وتولى غسله وتحنيطه وتصبيره وتكفينه المهتار شجاع الدين عنبر ، والفقيه كمال الذين الإسكندري المعروف بابن المنبجي ، والأمير عز الدين أيبك الأفرم جاندار ، ثم جعل في تابوت وعلق في بيت من بيوت قاعة البحرة بقلعة دمشق . وكانت مدة مرضه ، رحمه الله تعالى ، ثلاثة عشر يوما ، وهي مدة مرض الشهيد الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، رحمه الله تعالى .
وأول ما فتحه السلطان بنفسه : قيسارية الساحل ، وآخر ما فتحه قيسارية الروم ، واستمر بقلعة دمشق إلى أن اتباع ولده السلطان الملك السعيد دار العقيقي بدمشق بستين ألف درهم ، وحصل الشروع في عمارتها ووضع الأساس في يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة من السنة ، وكانت النفقة على العمارة من ربع أملاكه . وحمل إليها ليلة الرغائب الخامس من شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة ، " و " بعد أن صلى عليه في صحن جامع دمشق ليلا ، أدخل من باب البريد وخرجوا به من باب النطاقين إلى تربته وتولى حمله الأمير عز الدين أيدمر نائب السلطنة بالشام والأمير عز الدين أيدمر نائب السلطنة بالشام والأمير عز الدين الدوادار والطواشي صفى الدين جوهر الهندي ، وألحد القاضي عز الدين الشافعي .
ولما تمت له سنة من يوم وفاته عملت له الأعزية بالقرانين ، ومدت الأسمطة للقراء والفقراء وفرقت على الزوايا ، وحضر الناس على اختلاف طبقاتهم . وقرئ له

الصفحة 234