كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 238 """"""
المبارك " . وتناول الهناب وشرب منه جرعتين وأعادة في الثالثة لكثرة إلحاحهم عليه ، وتوجه إلى داره فحصل له قولنج ، وانقطع وتزايد به الأمر ، فمات ، رحمه الله تعالى . وهذا الفضل الذي دبرته والدة الملك السعيد من سوء التدبير وقبح المكافأة ، فأنه وقع الخيال عندها وعند ابنها منه ، ولعل هذا الخيال كان غير صحيح : فإنه أحسن السياسة وأجمل التدبير ووفى لمخدومه ، وكان رحمه الله تعالى ، تربية السلطان ، اشتراه وهو مفردي ورياه من صغره ، وكان خزنداره ، ثم أستاد داره في الإمره ، ونائبه في السلطنة وكانت مكانته عنده مكينة ، يرجع إلى رأيه ويعتمد عليه في سائر أحواله ويثق بنصحه ، وتمكن في الدولة الظاهرية تمكنا عظيما ، وكان له بالديار المصرية إمرة مائة فارس وبالشام إمرة خمسين فارسا ، وجعل له السلطان عند زواجه بابنة الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل قلعة الصبيبة وبانياس وأعمالها والشغر وغير ذلك .
ولما مات وقعت الأوهام في نفوس الأمراء وتخيلوا ، فإنهم علموا ما أسلفة المذكور من الخدمة للملك السعيد وحفظ الخزائن والعساكر ، وأنه أدى الأمانة في طاعته . واستناب السلطان بعد وفاته الأمير شمس الدين أقسنقر الفارقاني الظاهري أستاد الدار ونائب السلطنة بالديار المصرية في غيبة السلطان ، وأقر الصاحب بهاء الدين على وزارته .
وركب السلطان في يوم الأربعاء سادس عشر شهر ربيع الأول بشعار السلطنة والأمراء في خدمته ، وتوجه صوب الجبل الأحمر ، وذلك أول ركوبه ، وخلع على الأمراء والأعيان .
ذكر القبض على من يذكر من الأمراء والإفراج عنهم ومن مات منهم
كان من سوء التدبير الذي اعتمده السلطان الملك السعيد : أنه قبض على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، والأمير يدر الدين بيسرى الشمسي قي يوم الجمعة حادي عشرين شهر ربيع الأول ، واعتقلهما بقلعة الجبل ، وكانا من أكبر الأمراء ، وأخصهم بصحبة السلطان والده ، فتغيرت لذلك قلوب الأمراء ، ثم اجتمع مماليكه ومماليك الأمير بدر الدين بيليك الخزندار ، وحسنوا له القبض على نائبه الأمير شمس الدين أقسنقر الفاراقاني واستعانوا بالأمير سيف الدين كوندك الساقي ، وأمسكوه وهو جالس

الصفحة 238