كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
دمشق ، وما رأيتك إلا وقد صرت في هذه المنزلة " ، فقال : " والله العظيم صدقت ، وما صدقني أحد في الحديث إلا أنت يا أخي ، لما هربت من الجزيرة طلعت إلى جبل الجودي ، فيقيت احتطب في كل يوم جرزة حطب أبيعها بدرهم ونصف ، فلما كان في بعض الأيام إذا أنا بفقير عريان ليس عليه لباس ، وقد أنبت الله له شعرا على جسده ، يستر عورته ، فقال لي : " يا خضر ، ايش تعمل ؟ " ، قلت : " أحتطب " فقال : " تعالى غدا إلى هذا المكان وخذ منه جرزتين حطب ، بع الواحدة لنفسك والأخرى اشتر لي بثمنها موسى ومقصا ومشطا ، " فقلت : نعم . فلما كان الغد قصدت ذلك المكان فوجدت به جرزتين حطبا ، فبعت إحداهما واشتريت له ما طلب ، وبعث الأخرى لنفسي ، قلما اجتمعت به قال لي : " اذهب إلى الشام ، فسوف يكون لك مع ملكه شأن عظيم " . فقدر الله تعالى أنني سكنت هذه المغارة بالمزة ، فحصل لي اجتماع بالسلطان الملك الظاهر لما كان في خدمته الملك الناصر ، وفتح علي بأن بشرته بالملك ، فلما ملك كان سبب الوصلة بيني وبينه الأمير سيف الدين قشتمر العجمي . قال : " وكان ذلك الفقير قد أخبرني بجميع ما يقع لي في عمري وبجميع ما يقع للسلطان واقعة بعد أخرى " . قال : قال والدي : وكان في ذلك الوقت قد حصل لي وجع في ظهري ، فقلت له : إن ظهري يؤلمني فمسح بيده على ظهري ، فسكن الوجع ، فقال : " يا مجد الدين ، سكن الوجع أم لا ؟ " . أما الوجع فقد سكن ، وأما أنني اعتقد أنك رجل صالح فلا ، وإنما هذا من جملة السعادة التي حصلت لك . ثم كان من قبض السلطان عليه واعتقاله ما تقدم ذكره ، ولم يزل في اعتقاله إلى أن مات . قال : ولما عاد السلطان من غزاة الروم إلى دمشق كتب بإطلاقه فورد البريد بعد وفاته .
وكان واسع الصدر كريم النفس ، يعطى الدراهم والذهب الكثير ، ويصنع له الطعام في قدور كبيرة مفرطة في الكبر ، وكانت أحواله غير متناسبة والأقوال فيه مختلفة ، فمن الناس من يثبت صلاحه ، منهم من يرميه بالعظائم ، وكان يكتب إلى صاحب حماة وغيره من الأمراء في أوراقه إليهم : خضر نياك الحمارة ، وكتب بذلك إلى قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز ورقة ، فأغضى عنها ، ثم أخرى كذلك ، فلما وصلت إليه الورقة الثالثة أحضر رسوله وقال له : " قل له ، والله لئن وصل إلى ورقة بعد هذه فيها مثل هذا : أحضرته إلى مجلس الحكم وقابلته بما يستحقه بمقتضى ما كتب به خطه " ، فامتنع بعد ذلك من مكاتبته . ومات ولخ نيف وخمسون سنة ، وكان ربع