كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 245 """"""
سليم الصدر حسن الأوصاف كريم الأخلاق ، لين الكلمة كثير التواضع ، حسن الإعتقاد في الفقراء والصالحين ، وكان يلبس ملابس العرب ويتزين بزيهم ويركب كمركبهم ويتخلق بأخلاقهم في كثير من أفعاله ، رحمه الله . وقد حكى الشيخ قطب الدين اليونيني ، نفع الله به ، في تاريخه ، في سبب وفاته ، قال : حكى لي تاج الدين نوح بن شيخ السلامية حكاية غريبة معناها : أن الأميرعز الدين أيدمر العلائي نائب السلطنة بقلعة صفد حدثه بها ، قال : كان السلطان الملك الظاهر مولعا بالنجوم وما يقوله أرباب التقاويم ، فأخبر أن يموت بدمشق في هذه السنة ، سنة سبع وستين وستمائة ، بالسم ملك ، فحل عنده من ذلك أثر كبير . قال : وكان الملك الظاهر عنده حسد شديد لمن يوصف بالشجاعة أو بذكر جميل ، ولما دخل الملك القاهر له صحبة السلطان ظهر يوم المصاف عن شجاعة ، وظهرت نكايته في العدو حتى تعجب من فعله من شاهده ، ورآه الملك الظاهر فتأثر منه وانضاف إلى ذلك أن السلطان حصل منه في ذلك اليوم فتور على خلاف عادته ، وظهر عليه الندم كونه تورط في بلاد الروم - بكلمة الملك القاهر في ذلك الوقت - بكلام فيه إشارة إلى الإنكار وتقبيح فعله ، فأثر ذلك عنده أثرا آخر ، فلما عاد من غزاته وسمع الناس يلهجون بما فعله الملك القاهر تأثر من ذلك أيضا ، وتخيل في ذهنه أنه إذ سمه فمات هو الذي ذكره أرباب النجوم لأنه يطلق عليه اسم ملك وله ذكر ، فأحضره السلطان عنده لشرب القمز ، وأعد له سما في ورقة وجعلها إلى جانبه ، من غير أن يطلع على ذلك أحد ، وللسلطان هنايات ثلاثة تختص به مع ثلاثة من سقاته ، لا يشرف فيها غيره إلا من يكرمه ويناوله أحدها من يده ، وانفق قيام الملك القاهر لقضاء الحاجة ، فجعل السلطان ما في الورقة في هناب وأمسكه في يده فلما عاد الملك القاهر ناوله إياه فقبل الأرض وتناوله وشرب ما فيه ، وقام الملك الظاهر لقضاء الحاجة فأخذ الساقي الهناب من يد الملك القاهر وملأه على العادة وهو لا يشعر بما وضعه السلطان فيه ، فلما عاد السلطان تناول ذلك الهناب فشرب ما فيه وهو لا يظن أنه الذي جعل فيه ما جعل ، فلما شربه أحس واستشعر وعلم أنه قد شرب من ذلك الهناب الذي في أثار السم وبقاياه وتخيل وامتد به المرض ومات كما تقدم . وأما الملك

الصفحة 245