كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)

"""""" صفحة رقم 249 """"""
بدمشق للشافعية وخانقاه للصوفية على الميدان بالشرف الأعلى ، وخانا للسبيل بميدان الحصا . ووقف بالديار المصرية وقفا على المجاورين . ولم يرزق في عصره ولدا . وكان عظيم الشكل والخلقة ، كبير البطن ، جهوري الصوت ، أكولا رحمه الله تعالى .
ذكر وفاة الصاحب بهاء الدين
وفي هذه السنة : كانت وفاة الصاحب الوزير بهاء الدين " أبو الحسن " علي بن محمد بن سليم المعروف بابن حنا ، بمصر وقت آذان العصر من يوم الخميس سلخ ذي القعدة . ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة وتربته بالقرافة . ومولده بمصر في سنة ثلاث وستمائة ، ومات وهو جد جدَ . وكان في ابتداء أمره في دكان يبيع الخام ، ثم تنقلت به الأحوال وباشر في الديوان السلطاني حتى انتهى إلى هذه الغاية . وكان من رجال الدهر حزما وعزما وتدبيرا ، وكتابة وتحصيلا للأموال وقياما بمصالح الدولة ، وكان شديد الغيرة على منصبه ، فإذا تعرض أحد من المتعممين المباشرين إلى الاجتماع بالسلطان عمل على إتلاقه ، وكذلك من يجتمع بأكابر الأمراء من هذه الطائفة ، ويحسن إلى من يتصل بخدمته وخدمة أولاده ، وينتمي إليهم ويقدمهم وكان حسن الظن بالفقراء والمشايخ كثير الإكرام لهم ولا يمل من حوائجهم ، ويتشفع الناس عنده بهم فلا يردهم ، وكان أمينا في وزارته ، ما تكلم عليه ولا على أولاده بخيانة وإنما كانوا كلهم يتجهون تجاه الغل ويزرعون فاتسعت بذلك أحوالهم وكثرت أموالهم ، وعمروا الأبنية العظيمة والمساكن البديعة والمنزهات ، وعمر هو مدرسة بزقاق القناديل بمصر ، ووقف عليها أوقافا ، وكان كثير الصدقة والتزم صوم الدهر في وزارته . وكان يثيب الشعراء على مدائحهم ، وامتدحه الشيخ رشيد الدين الفارقي فقال :
وقايل في الورى نبه لها عمرا . . . فقلت إن علينا قد تنبه لي
مالي إذا كنت محتاجا إلى عمرا . . . من حاجة فليتم حسبي انتباه علي

الصفحة 249