كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 30)
"""""" صفحة رقم 8 """"""
من العفاف أضحى به وحيدا منفردا ، ومارس أمور الشريعة فثقف منها أودا ، وأعمل فكرته الصافية فحلل منها عقدا ، وأنعم نظره فيها فأوضح له من الضلال رشدا .
رسم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني ، زاد الله في علائه ، وضاعف مواد نفاذه ومضائه أن يفوض إليه الحكم العزيز بجميع الديار المصرية المحروسة ، لما علم فيه من فضل مازالت ثماره تجتني ، ومساع حميدة ما برح بها إلى الخلائق محسنا ، ودين متين يشيد من أمور الآخرة ما بنا ، وسؤدد مازال فيه وفي بيته مستوطنا ، وأوصاني جميلة خصته بنباهة أضحى بها متقدما وآراء مسددة أضاءت من سبل الرشاد ما كان مظلما ، ونزاهة ما زالت له خلقا لا تخلقا ، وعفاف ما برح منه مثريا لا معلقا .
فليباشر هذا المنصب الذي أضحى ظل شرفه وارفا ، وكعبة حرمه التي يتوجه إليها من كان باديا أو عاكفا ، عاملا فيه بالتقوى التي يحافظ عليها مسرا ومعلنا ، ويتمسك بأسبابها إذا صد عنها غيره وانثنى ، فهي المعقل الذي لا يستباح له حمى ، والمقام الذي يجد الخائف أمنه فيه محققا لا غيبا مرجماً ، والعصمة التي تنجي من العطب ، والموكب الذي تجد به الأنفس راحتها الكبرى بعد التعب . وليول من القضاة من يحيي من الحق سننا ، ويميت من الباطل بدعا ، ويكون رجاؤه بالآخرة متصلا ، ومن الدنيا منقطعا ، ليرجع به سبيل الحق بعد ضيقه متسعا ، وشمل الباطل بعزيمته مفترقا لا مجتمعا .
وليتفقد أمر العدول الذين أضحوا على الحقيقة عدولا عن المنهج القويم ، راغبين عن المحامد بما يأتونه من وصف ذميم . ولا يترك منهم إلا شاهدا كان عن المعايب غائبا أو متورعا ، لا يعتمد منم الأمور إلا ما كان واجبا ، لتسلم عدالته من وصمه التجريح ، وتظهرمساعيه التي تذلل له من العلا كل جموع .
وأموال الأيتام والأوقاف فلا يباشرها إلا من كان لمباشرتها أهلا ، ومن تتحقق أنه يكون عليها قفلا . فطالما ابتذلت أيدي الخونة منها مصونا ، وجعلت العين منها أثرا حين مدت إليها عيونا . ولا تخلها من نظر يحفظ منها مضاعا ويحسم عنها أطماعا ، ويخصها بمزية الزيادة بعد النقصان ، ويكتب لها من مخاوف الخونة كتاب أمان .
فقد قلدناك هذه الأحكام التي ترجو بك الخلاص من تبعاتها ، ورعينا بك حق الرعية ، فلا تخل أمورهم من مراعاتها ، وامضي عزيمتك في إقامة منار الشريعة بعد