كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 107 """"""
ذكر ما اتفق بدمشق من المصادرات
كان السلطان قد استصحب معه في هذه السفرة ، الأمير علم الدين سنجر الشجاعي ، بعد عزله من الوزارة . فلما عاد إلى دمشق من طرابلس ، أمره أن يتحدث في تحصيل الأموال بدمشق ، ومكّنه من ذلك ، فأوقع الحوطة ، على الصاحب تقي الدين توبة . فوجد له أخشاباً كثيرة وبضائع وسكّراً ، فطرح ذلك على أهل دمشق ، بأضعاف قيمته . فكان يحفظ لمن يطرح عليه منه الربع فما دونه . فحصل من ذلك تقدير خمسمائة ألف درهم . وكان غرضه بذلك ، أن يطلع السلطان ، على أن تقي الدين توبة قد حصل الأموال الكثيرة ، لعداوة كانت بينهما . ثم شرع في مصادرات الناس ، فهرب أكثر الدماشقة إلى القرى والضياع ، واختفوا منه . وطلب نجم الدين عباس الجوهري ، بسبب ضيعة كان قد اشتراها من ابنة الملك الأشرف ، بالبقاع العزيز . فطولب بما أخذه من ريعها ، فكان خمسمائة ألف درهم ، فحمل جوهراً ، قُوّم له ، بثمانين ألف درهم . فشدد عليه الطلب ، فجاء إلى مدرسته التي أنشأها بدمشق ، وحفر في دهايزها ، وأخرج خونجاه ذهب ، مرصعة بالجوهر ، وعليها قرقة مرصعة ، فقوم ذلك بأربعة ألف درهم ، وسبك الذهب ، وكان سبعة آلاف دينار ، ونقل الجوهر إلى الخزانة . وأظهر السلطان للأمراء ، أن إقامته بدمشق ، لانتظار الأمير حسام الدين طرنطاي . فوصل في سابع عشر شهر رجب . وتلقاه السلطان بالعساكر ، وأقام بدمشق ، إلى يوم الخميس ثاني شعبان . فتوجه في هذا اليوم إلى الديار المصرية ، بعد أن حصل الإجحاف بأهل دمشق ، واستصحب تقي الدين توبة مقيّداً . فلما وصل إلى حمراء بيسان ، مرّ عليه الأمير حسام الدين طرنطاي ، والأمير زين الدين كتبغا ، وهو بالزردخاناة ، فسبهما أقبح سب ، وكانت هذه عادته ، وذكر ما فُعل به ، وهما يضحكان من سبه لهما . فتوجها إلى السلطان ، وسألاه في أمره ، وضمنها فأفرج عنه . وأخذاه عندهما . فتألم الأمير علم الدين الشجاعي لذلك ألماً شديداً . وكان قد كتب إلى نابلس والقدس وبلد الخليل والبلاد الساحلية ، يطلب الولاة والمباشرين ، وأن يجهزوا إلى غزة . فلما حصل الإفراج عن تقي الدين توبة ، غضب الشجاعي وأظهر حرداً ، وامتنع من الحديث في المصادرين ، فكانت ذلك من الألطاف بمن طُلب . ووصل السلطان إلى قلعة الجبل في يوم الثلاثاء .

الصفحة 107