كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 122 """"""
ثم يقول أين أنت يا ابن السلعوس . فلما وصل ابن السلعوس إلى السلطان ، فوض إليه الوزارة ، ومكّنه من الدولة تمكيناً عظيماً ، ما تمكن وزير قبله مثله في دولة الترك . وجرّد في خدمته جماعة من المماليك السلطانية ، يركبون في خدمته ، ويترجلون في ركابه ، ويقفون بين يديه ، ويمتثلون أوامره . فعظم بذلك شأنه ، وتعاظم في نفسه واستخف بالناس . وتعدى أطوار الوزراء ، حتى كان أكابر الأمراء يدخلون إلى مجلسه ، فلا يستكمل لهم القيام . ومنهم من لا يلتفت إليه . وكان في بعض الأوقات يستدعي أمير جاندار وأستاذ الدار ، على كبر مناصبهما . فكان إذا استدعى أحداً منهما ، يقول اطلبوا فلاناً أمير جاندار ، وفلاناً أستاذ للدار ، يسمى كل واحد منهما باسمه ، دون نعته . ثم ترفّع عن هذه الرتبة إلى الاستخفاف بنائب السلطنة الأمير بيدرا ، وعدم الالتفات إلى جهته ومشاركته في بعض وظيفته ، والاستبداد عنه ، ومعارضته فيما يقصد فعله ، وتعطيل ما يؤثره . هذا ، والأمير بدر الدين بيدرا يصبر على جفاه ، ولا يمكنه مفاجأته لما يشاهده من ميل السلطان إليه . حتى أخبرني شهاب الدين بن عبادة : قال : رأيت الصاحب شمس الدين في بعض أيام المواكب ، قد قام من مجلس الوزارة ، يقصد الدخول إلى الخزانة ، فصادف ذلك خروج الأمراء من الخدمة ، هم ونائب السلطنة . فكان الأمراء الأكابر يبادرون إلى خدمته ومنهم من يقبل يديه ، وكلهم يخلي له الطريق ، ويومئ بالرجوع بين يديه ، فيشير إليه بالانصراف . فلما وطئ عتبة باب القلة برجله ، توافى هناك ، هو والأمير بدر الدين ، نائب السلطنة . فسلّم كل منهما على الآخر ، وأومأ له بالخدمة ، إلا أن النائب خدم الوزير ، أكثر من خدمة الوزير له . قال : لقد رأيته ، وقد رجع مع الصاحب ، ولم

الصفحة 122