كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 123 """"""
يسامته في مشيه ، بل كان النائب يتقدمه يسيراً ، ويميل بوجهه إلى جهة الصاحب ويحدثه . فكانا كذلك إلى أن وصلا إلى المصطبة ، التي يجلس عليها أستاذ الدار وناظر البيوت ، وهي من داخل الباب الثاني ، من باب القلة لجهة الخزانة ، على باب الفراش خاناه قديماً . وهذا الموضع الآن ، هو أحد أبواب الجامع الذي عمر في أيام السلطان الملك الناصر . وسنذكر إن شاء الله تعالى ، خبر هذا الجامع في الأيام الناصرية . قال : فما انتهينا إلى ذلك المكان ، مسك الصاحب بدر الدين بيدرا ، نائب السلطنة ، وأشار إليه بالرجوع . قال : وسمعت الصاحب يقول له : بسم الله يا أمير بدر الدين ؛ لم يزده على ذلك ، وهذا أمر لم يسمع بمثله . والذي شاهدته أنا ، غير مرة ولا مرتين ، أن الصاحب كان إذا أراد الركوب إلى القلعة ، اجتمع ببابه نظار النظار وشاد الدواوين ووالي القاهرة ووالي مصر ، ومستوفي الدولة ، ونظار الجهات ، ومشدّي المعاملات ؛ وغير هؤلاء من الأعيان . ثم يحضر قضاة القضاء الأربعة ومن يتبعهم . فإذا اجتمع هؤلاء كلهم ببابه ، عرّفه حجّابه أن الموكب قد كمل . وكان كمال الموكب عندهم ، حضور قضاة القضاة الأربعة ، فيخرج عند ذلك ، ويركب ويسوق الناس بين يديه على طبقاتهم . فيكون أقرب الناس إليه ، قاضي القضاة الشافعية ، وقاضي القضاة المالكية ، يكونان أمامه ، وأمامهما قاضيا القضاة الحنفية والحنبلية ؛ ثم نظار النظار والأعيان ، ومستوفي الدولة ، ونظار الجهات على قدر مراتبهم . ويستمر القضاة معه ، إلى أن يستقر في المجلس . فينصرفون ثم يعودون عشية النهار إلى القلعة ، ويركبون في موكبه بين يديه إلى أن يصل إلى داره ؛ حتى أنه تأخر ليلة بالقلعة إلى قرب العشاء الآخرة ، وغلق باب القلعة . وانقلب موكب الصاحب ، إلى جهة باب السلطان ، وجاء القضاة ووقفوا على بغالهم ، بظاهر باب الاسطبل السلطاني ، ولم ينصرفوا حتى خرج وركب ، وساقوا في خدمته ، إلى داره على عادتهم ، لم يخلوا بها . وكان لا ينتصب قائماً لبعض أكابرهم ، ولم ينتظم هذا لوزير قبله . ولما عظم موكبه ، وبقي الأكابر ، يزدحمون في شوارع القاهرة ، ويضيق بهم لكثرة من معه ، ويزدحم الغلمان ، انتقل إلى القرافة ، وسكنها بسبب ذلك . ثم كان من أمره ما نذكره ، إن شاء الله تعالى في موضعه .
ذكر القبض والإفراج على من نذكر من الأمراء ، وعنه
وفي يوم الجمعة ، سابع صفر ، أمر السلطان بالقبض على الأمير شمس الدين سنقر

الصفحة 123