كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 145 """"""
المسرات ، بأحسن من إشارته وأشائره . ولا تفوهت ألسنة خطباء هذا العصر على المنابر ، بأفصح من معانيه ، في سالف الدهر وغابره ، وهو البشرى بفتح قلعة الروم ، والهنا لكل من رام بالإسلام نصراً ببلوغ ما رام وما يروم . ونَقصّ أحسن قصص هذا الفتح المبين ، والمنح الذي تباشر به سائر المؤمنين ، ونُساوي في الإعلان والإعلام به كل من قرّ عيناً من الأبعدين والأقربين . ونخضّ بمسرى مبشراته الحكام ليعموا بنشرها عامة الناس . ونفرض لكل ذي مرتبة عليه منه نصيباً يجمع من الابتهاج والأنواع والأجناس . وذلك أنا ركبنا لغزوها ، من مصر ، وقد كان مَن قبلنا من الملوك ، يستبعد مداها ، ويناديها فلا يجيب إلا بالصد والإعراض صداها ، ويسائل عن جبالها ، فتحيل في الجواب على النسور المهومة ، ويستشير أولي الرأي في حصرها ، فلا يسمع إلا الأقوال المثلوبة والآراء المتلومة . ومازلنا نصل السرى ، ونرسل الأعنة إلى نحوها ، فتمدّ الجياد أعناقها إليها مداً ، ينقطع بين قوتها وقوته السير . واستقبلنا من جبالها كل صعب المرتقى ، وعر المنتقى ، شاهق لا يلقى به مسلك ولا يلتقى . فمازالت العزائم الشريفة تسهل حزونه ، والشكائم تفجر بوقع السنابك على حجارته عيونه ، والجياد المطهمة ترتقي ، مع امتطاء متونها بدروع الحديد متونه . فلما أشرف عليها منا أشرف سلطان ، جعل جبلها دكاً ، وحاصرناها حصاراً ألحقها بعكا وأخواتها ، وإن كانت أحصن من عكا . ونصبنا عليها عدة مجانيق تنقض حجارتها انقضاض النسور ، وتقبض الأرواح من الأجسام وإن ضرب بينها وبينهم بسور ، وتفترس أبراجها بصقور صخور افتراس الأسد الهصور . هذا والنقوب تسري في بدناتها سريان الخيال ، وإن كانت جفونها المسهدة ، وعمدها الممددة وحفظتها المجندة ، ورواسيها على جبل الفرات موطدة . وقد خندقوا عليها خندقاً جرت فيه الفرات من جانب ونهرز مرزبان من جانب ، ووضعها واضعها على رأس جبل يزاحم الجوزاء بالمناكب ، وسفح صرحها الممدد فكأنه عرش لها على الماء وإذا رمقها طرف رائيها اشتبهت عليه بأنجم السماء . ومازالت المضايقة تقص من حبلها أطرافه ، وتستدر بحلبها أخلافه ، وتقطع بمسائل جلاد معاولها وجدالها خلافه . وتورد عليها من سهامها كل إيراد لا يجاوب إلا بالتسليم ، وتقضي عليها بكل حكم لا نقابل توبته إلا بالتحكيم .
ولما أذن الله بالفتح الذي أغلق على الأرمن والتتار أبواب الصواب ، والمنح الذي

الصفحة 145