كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ما يستدر به أخلاف الفتوح ، ويسترهف بيمنه الصوارم التي هي على من كفر بالله ورسوله دعوة نوح . ويهدي من البشائر ما تختال به أعطاف المنابر سروراً ، ويتعطر بذكره أفواه المحابر حبوراً ، وترشف الأسماع موارد وارده ، فيستحيل في قلوب الأعداء ناراً وفي قلوب الأولياء نوراً . ويبادر مساهمة الحاضر في استماعه كل بادٍ فينقلب إلى أهله مسروراً .
وينهي أنه أصدرها والنصر قد خفقت بنوده ، وصدقت وعوده ، وسار بمختلفات البشائر في كل قطر بريده . والأعلام الشريفة السلطانية ، قد امتطت من قلعة الروم صهوة لم تذلّ لراكب . وحلت من قنتها وقلتها بين الذروة والغارب . وأراقت أسنتها من دمائهم ما ترك الفرات لا يحل لشارب . ومدّ الأيمان بها أطنابه ، وأعجلت السيوف المنصورة الشرك أن يضم للرحلة أثوابه . واستقرت بها قدم الإسلام ثابتة إلى الأبد ، وقتّلت بأرجائها ، سيوف أهل الجمعة ، حتى رق أهل السبت لأهل الأحد . وأذهب الله عنها التثليث حتى كاد حكم الثلاثة أن يسقط من العدد ، وتبرّأ منهم من كان يغرهم بإمداده ، حتى الفرات لمجاورتهم ، ودّت النقص خوفاً أن يطلق على زيادتها اسم المدد . ونطق بها الأذان فحرس الجرس . وعلت بها كلمة الإيمان ، فأضحت لها بعد الإبتذال آية الحرس . وأسمعت دعوة الحق ما حولها من الجبال فسمعت وهي الصم ، ولبّت الداعي بلسان الصدى الناطق عن شوامخها الشم .
وكانت هذه القلعة المذكورة للثغور الإسلامية بمنزلة الشجى في الحلق ، والغلة في الصدر ، والخسوف الطارئ على طلعة البدر . لا تخلو من غل تضمره ، في لين تظهره ، وغدر تستره ، في عذر تورده وتصدره . وقد سكن أهلها إلى مخادعة الجار ، وموادعة التتار ، وممالاتهم على الإسلام بالنفس والمال ، ومساواتهم لهم حتى في الزي والحال . يمدونهم بالهدايا والألطاف ، ويدلونهم على عورات الأطراف . وهم يتقون بمسالمة الأيام ، ويدعون أن قلعتهم لم تزل من الحوادث في زمام ، ويغترون بها . ولولا السطوات الشريفة ، لحق بمثلها أن يغتر . ويسكنون إلى حصانتها كلما أومض في