كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
إلى صهيون على ما نذكره إن شاء الله تعالى ؛ واستمر ذلك إلى سنة أربع وثمانين وستمائة . فلما حضر السلطان لحصار المرقب ، وهي بالقبر من صهيون ، لم يحضر الأمير شمس الدين إلى خدمة السلطان . فتنكر السلطان لذلك ، وحنق عليه بسببه . وأرسل سنقر الأشقر ولده ناصر الدين صمغار إلى خدمة السلطان يتلافى ذلك ، فمنعه السلطان من العود إلى والده . واستمر إلى سنة ست وثمانين وستمائة . فجرد السلطان نائبه بالديار المصرية ، الأمير حسام الدين طرنطاي ، إلى صهيون ، في جماعة كثيرة من العساكر ، فنازلها ، وراسله في تسليمها ، وذكر له مواعيد السلطان له . فامتنع من ذلك ، فضايقه ، ونصب المجانيق حتى أشرف على أخذ حصن صهيون عنوة . فلما رأى الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ذلك ، أرسل في طلب الأمان والأيمان . فحلف له الأمير حسام الدين طرنطاي ، إن السلطان لا يضمر له سوءاً . فنزل إلى الأمير حسام ، وسلّم إليه الحصن . فأخبرني من ذكر أنه شهد كيف كان نزوله إليه ، وما عامل كل منهما الآخر به ، فقال : بينما الأمير حسام الدين جالس في خيمته ، إذ قيل له ، هذا الأمير شمس الدين قد جاء . فوثب وأسرع المشي ، وخرج إليه وتلقاه ، فترجل الأمير شمس الدين . وخلع الأمير حسام الدين قباء كان عليه ، وبسطه على الأرض ، ليمشي الأمير شمس الدين عليه . فرفعه الأمير شمس الدين عن الأرض ، وقبّله ولبسه . فأعظم الأمير حسام الدين طرنطاي ذلك ، وعامل الأمير شمس الدين بأتمّ الخدمة وغاية الأدب . ورتّب في الحصن تائباً ووالياً ورجّاله . وسار هو والأمير شمس الدين إلى الديار المصرية . فلما قرب من قلعة الجبل ، ركب السلطان وولداه الملك الصالح علاء الدين علي ، والملك الأشرف صلاح الدين خليل ، وأولاد الملك الظاهر ، والعساكر . وتلقاه الأمير شمس الدين وتعانقا ، وطلعا إلى القلعة ، وحمل السلطان إليه الخلع والأقمشة والحوائص الذهب والتحف ، وساق إليه الخيول ، وأمّره بمائة فارس ، وقدّمه على ألف . واستمر في الخدمة السلطانية ، من أكابر أمراء الدولة .