كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 160 """"""
باب النصر . فنصب في العشرين من ذي الحجة ، ورماه الأمراء والأكابر ومن له ولمثله عادة بذلك . وفرّق السلطان الأموال على من أصابه . وكان ممن أصابه الأمير بدر الدين بيسري الشمسي الصالحي . فرماه ما لم يرمه غيره قبله . وذلك أنه كان قد اقترح سرجاً وطئ الرادفة جداً . فلما رآه السلطان ، قال له قد كبرت يا أمير بدر الدين ، فاقترحت هذا السرج ، ليسهل عليك الركوب . فقال : إن كان المملوك قد كبر ، فقد رزقت ستة أولاد ، وهم في خدمة السلطان ولم أكن أقترح هذا السرج إلا لأجل القبق . ثم ساق الأمير بدر الدين نحو صاري القبق . والعادة جارية أن الرامي لا يرميه إلا إذا صار بجانب الصاري . فساق إلى أن تعدى الصاري ، فما شك الناس أنه فاته الرمي . ثم استلقى على ظهر فرسه ، حتى صار رأسه على كفل الفرس ، فرماه وهو كذلك ، بعد أن تعداه ، فأصاب القرعة وكسرها . فصرخ الناس لذلك واستعظموه . وظهرت للسلطان فائدة السرج ، فأمر أن ينعم عليه بما بقي في ذلك الوقت ، من المال المرصد للإنعام فأعطيه ، وكان خمسة وثلاثين ألف درهم . وخلع عليه ، وعظم في صدور الناس ، زيادة عما عندهم من تعظيمه . وعلموا عجزهم عن الإتيان بما أتى به ، وفعل ما فعله .
ثم كان الختان المبارك ، في يوم الإثنين ، الثاني والعشرين من ذي الحجة . ونثر الأمراء الذهب الكثير في الطشوت حتى امتلأت . وفيها ، في ليلة الثلاثاء حادي عشر صفر ، توفي الأمير الصالح شمس الدين أبو البيان ، نبا ابن الأمير نور الدين أبي الحسن علي ابن الأمير شجاع الدين هاشم ابن حسن بن حسين ، أمير جاندار المعروف بابن المحفدار ، بداره بالروضة ، قبالة مصر ، بعد أن صلى العشاء الآخرة ، بسورة " هل أنى على الإنسان حين من الدهر " فلما فرغ من الصلاة ، سجد سجدة ، فمات في سجدته ، وكانت عادته أن يسجد عقيب صلاته ، ويدعو الله في سجوده . ودفن من الغد في القرافة بتربته ، بقرب تربة الإمام الشافعي . وكان رحمه الله تعالى ، ديناً حسن السيرة والوساطة ، احتوى على أوساط جميلة ، يثق الملوك

الصفحة 160