كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 185 """"""
وفيها ، في وقت السحر ، من يوم السبت عاشر شعبان ، توفيت ملكة خاتون ، ابنة الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب . وهي زوجة الملك المنصور ابن الملك الصالح اسماعيل وأم ولديه . وهي التي كان ناصر الدين بن المقدسي أثبت سفهها في الدولة المنصورية ، واستعاد أملاكها من سيف الدين المسامري وغيره ، كما تقدم ذكر ذلك ، رحمهما الله تعالى .
واستهلت سنة خمس وتسعين وستمائة [ 695 ه 1295 - 1296 م ]
في هذه السنة ، اشتد الغلاء بالديار المصرية ، وكثر الوباء وانتهى سعر القمح إلى مائة درهم وسبعة وستين درهماً ، عن كل أردب ، وقيل إنه بلغ مائة وثمانين . وأعقب ذلك وباء عظيم . وغلت الأسعار في سائر الأصناف . وبلغ ثمن الفرج عشرين درهماً . وسمعت أن بعض الناس اشترى فراريج لمريض عنده ، فوزن لحمها ، فكان بوزن الدراهم التي اشتراه بها . فتقوّم عليه لحم الفراريج ، الدرهم بدرهم فضة . وبيعت البطيخة ، الرطل بأربعة دراهم نقرة . وأبيعت السفرجلة ، بثلاثين درهماً ، هذا بالقاهرة ومصر . وأما الصعيد الأعلى ، وهو عمل قوص وما يجاوره ، فإن القمح لم يزد ثمنه ، على خمسة وتسعين درهماً الأردب . وأعقب هذا الغلاء بالقاهرة فناء عظيم . كان يحصر من يخرج من باب المدينة من الأموات في اليوم الواحد ، فيزيد على سبعمائة أو نحوها ، هذا من داخل المدينة ، من أحد الأبواب . والقاهرة بالنسبة إلى ظواهرها ، كالشارع الأعظم ، والحسينية والأحكار ، جزء لطيف . وعجز الناس عن دفن الأموات أفراداً ، فكانوا يحفرون الحفرة الكبيرة ، ويرصّ فيها الأموات ، من الرجال والنساء ، ويُجعل الأطفال بين أرجلهم ، ويردم عليهم . وبعض الأموات لم يجدوا من يواريهم في قبورهم ، فأكلتهم الكلاب ، وأكل الأحياءُ الكلاب . وكان الفناء أيضاً بالأعمال البرانية عن القاهرة ومصر ، حتى خلت بعض القرى وأطراف المدينة ، لفناء أهلها بالموت .
ثم انحطت الأسعار بالديار المصرية في شهر رجب ، ونزل سعر القمح إلى خمسة وثلاثين درهماً الأردب ، والشعير بخمسة وعشرين درهماً الأردب وكان أكبر أسباب

الصفحة 185