كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 186 """"""
هذا الغلاء وتزايده بالديار المصرية ، خلو الأهراء السلطانية من الغلال ، وذلك أن السلطان الملك الأشرف ، كان قد فرّق الغلال ، وأخلى الأهراء منها بالإطلاقات للأمراء وغيرهم ، حتى نفد ما في الأهراء . وقصر النيل بعد ذلك ، فاحتاج وزير الدولة إلى مشتري الغلال للمؤونة والعليق ، فتزايدت الأسعار بسبب ذلك .
وفيها أيضاً ، قل المطر بدمشق وبلاد حوران ، وجفّ الماء حتى شق ذلك على المسافرين . فكان المسرف يسقي دابته بدرهم ، ويشرب بربع درهم . فلما اشتد ذلك على الناس ، أشار قاضي القضاة ، بدر الدين محمد بن جماعة ، بقراءة صحيح البخاري بدمشق . وتقرر الاجتماع لسماعه بالجامع الأموي ، تحت النسر في سابع صفر . وطُلِب الشيخ شرف الدين الغزاري لقراءته . فأنزل الله تعالى الغيث في تلك الليلة قبل الشروع في القراءة . ثم قرئ الصحيح ، ووقع المطر في آخر يوم من كانون الأول ، واستمر يومين وبعض ليلة ، فاستبشر الناس بذلك وترادف نحو جمعه . ثم جاء بعد ذلك ثلج كثير ، في مستهل شهر ربيع الأول . ثم ارتفع السعر ، وبلغ سعر القمح ، عن كل غرارة مائة درهم ، وخمسة وستين درهماً . واشتد الغلاء بالحجاز أيضاً فأبيعت غرارة الشعير بالمدينة ، بسبعمائة درهم ، وغرارة القمح بألف درهم . وأبيعت بمكة ، شرفها الله تعالى ، بألف درهم ومائة درهم . ثم جاء المطر بدمشق في ثاني جمادى الآخرة .
ذكر حادثة عجيبة بالشام
وفي هذه السنة ، في العشر الأول من المحرم ، استفاض بدمشق وشاع ، وكثر الحديث عن قاضي جبة أعسال ، من قرى دمشق ، أنه تكلم ثور بقرية من قرى جبة أعسال . وهو أن الثور خرج ليشرب من ماء هناك ، ومعه صبي فلما فرغ من شربه ، حمد الله ، فتعجب الصبي . وحكى ذلك لمالك الثور ، فشك في قوله . وخرج في اليوم الثاني بنفسه ، فلما شرب الثور ، حمد الله . وحضر في اليوم الثالث جماعة ، وسمعوه

الصفحة 186