كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 190 """"""
" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودُها الناسُ والحجارةُ عليها ملائكة غلاظٌ شدادٌ لا يَعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " . هذه المكاتبة إلى ، فلان ، وفقه الله لقبول النصيحة ، وأتاه لما يقر به قصداً صالحاً ، ونية صحيحة . أصدرناها إليه ، بعد حمد الله الذي " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " ، ويمهل حتى يلتبس الإمهال بالإهمال على المغرور ، تذكّره بأيام الله ، " وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون " . وتحذره صفقة من باع الآخرة بالدنيا ، فما أحد سواه مغبون . عسى أن يرشده بهذا التذكار وينفعه وتأخذه هذه النصائح بحجزته عن النار ، فإني أخاف أن يتردى ، فيجز من ولاه ، والعياذ بالله ، معه .
والمقتضى لإصدارها ما لمحناه من الغفلة المستحكمة على القلوب ، ومن تقاعد الهمم عن القيام بما يحبّ الرب على المربوب ، ومن أنسهم بهذه الدار وهم يزعجون عنها ، ومن علمهم بما بين أيديهم من عقبة كؤود ، وهم لا يتحققون منها ، ولاسيما القضاة الذين يحملون عبء الأمانة ، على كواهل ضعيفة ، وظهروا بصور كبار ، وهمم نحيفة . والله إن الأمر لعظيم ، وإن الخطب لجسيم ، ولا أرى مع ذلك أمناً ولا قراراً ، ولا راحة ، اللهم إلا رجلاً نبذ الآخرة وراءه ، واتخذ إلهه هواه ، وقصر همه وهمته على حظ نفسه من دنياه . فغاية مطلبه الحياة والمنزلة في قلوب الناس وتحسين الزي والملبس ، والركبة والمجلس ، غير مستشعر خيبة حاله ، ولا ركاكة مقصده ، فهذا لا كلام معه ، فإنك لا تسمع الموتى ، وما أنت بمسمع من في القبور . فاتق الله الذي يراك حين تقوم ؛ واقصر أملك عليه ، فالمحروم من أمله غير مرحوم . وما أنا وأنتم أيها النفر ، إلا كما قال حبيب العجمي ، وقد قال له قائل : ليتنا لم نخلق فقال قد وقعتم فاحتالوا . وإن خفي عليك بعض هذا الخطر ، وشغلتك الدنيا ، أن تقضي من معرفته الوطر . فتأمل من كلام المبوة القضاة ثلاثة ، وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لمن خاطبه مشفقاً عليه : لا تأمرن على إثنين ، ولا تَلين مال اليتيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وما أنا والسير في متلف . . . يبرح بالذّكر الضابط
هيهات جف القلم ، ونفذ أمر الله ، ولا راد لما حكم . ومن هناك شمّ الناس في

الصفحة 190