كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 209 """"""
في اعتقاله ، وأحضر إليه زوجته المنصورية ، والدة أحمد ابن السلطان الملك المنصور . وكان سبب ذلك أن السلطان ندبه في هذه السنة لكشف جسور الجيزية وإتقانها . وهذه الوظيفة بالنسبة له إطراح كثير له ولعظامته ، وإن كانت كثيرة في حق غيره . فتوجه إلى الجيزية بسائر مماليكه وألزامه . فاجتمع معه جمع كثير ، يقال إنهم كانوا نحو سبعمائة . وكان يحضر إلى الخدمة في يومي الإثنين والخميس . ويعود إلى مخيمه . فلما تكامل إتقان الجسور ، استأذن في عمل ضيافة للسلطان هناك . فأذن له واهتم لها اهتماماً كثيراً . وحصل بسببها جملة من الأغنام والأصناف وغير ذلك . وقرر مع السلطان أنه يحضر هذه الضيافة . فأوهم نائبه الأمير سيف الدين منكوتمر ، السلطان من خروجه وحذره منه . وأحضر بهاء الدين أرسلان ، أستاذ دار الأمير بدر الدين بيسري ، وهو ابن مملوكه بدر الدين بيليك ، أمير مجلس . وكان قد ربى أرسلان هذا كالولد . فلما كبر قدّمه على جماعة من أكابر مماليكه الذين كانوا في منزلة أبيه ، وجعله أستاذ داره ، وأحسن إليه إحساناً كثيراً ، فخدعه الأمير سيف الدين منكوتمر ولاطفه ووعده بإمرة طبلخاناة ، إن هو أنهى إلى السلطان ، أن مخدومه الأمير بدر الدين بيسري يقصد اغتياله . فأطمعت أرسلان نفسه ، بما وعده منكوتمر ، ووافقه على ما قصده . وحضر إلى السلطان وأوهمه من أستاذه أنه إن حضر ضيافته قبض عليه وقتله . ثم عضّد ذلك أن الأمير بدر الدين بيسري ، أرسل إلى منكوتمر يطلب منه الدهليز السلطاني ، ليُنصب في مكان المهم ، ولم يشعر بما وقع . فرُسم بتسليم الدهليز لمماليك الأمير بدر الدين بيسري ، وأن يتوجه مقدم الفراشين السلطانية ومن معه لنصبه ، ولم يطلع السلطان على ذلك . فلما حُمل الدهليز السلطاني على الجمال ، ومرّ به المماليك والغلمان ، تحت القلعة ليتوجهوا به إلى الجيزية ، رآه السلطان من القلعة . فأرسل إلى الأمير سيف الدين منكوتمر ، وسأله عن أمره ، فأنكر أن يكون اطلع على شيء من حاله . وقال إن مماليك بيسري أخذوه من الفراش خاناة السلطانية من غير استئذان . ثم قال للسلطان ، هذا مما يحقق صدق ما نقل عنه ، وأغراه به . فأمر السلطان بإعادة الدهليز إلى الفراش خاناة . وكان الحامل للأمير سيف الدين منكوتمر على ذلك أن أستاذه الملك المنصور حسام الدين ، كان قد عزم على أن يجعله ولي عهده بعده ، كما فعل السلطان الملك

الصفحة 209