كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 210 """"""
المنصور ، والملك الظاهر بأولادهما ، ويقرن اسمه مع اسمه في الخطبة ، لأن لاجين لم يكن له ولد ذكر . فتحدث في ذلك مع الأمير بدر الدين بيسري ، فأنكره غاية الإنكار وأجاب عنه بأقبح جواب ، وردّه بأشنع ردّ . فكان مما حكى أنه قال للسلطان : اعلم أن مملوكك هذا الذي أشرت إليه ، لا يصلح للجندية ، وقد أمّرته وقدمته ، فصبر الناس لك على هذا . وجعلته نائب السلطنة ، ومشّيت الأمراء والجيوش في خدمته ، فأجابوا إلى ذلك ، طاعة لك ، وطلباً لرضاك ، مع ما تقدم من أيمانك عند السلطنة ، أنك لا تقدم مماليكك على الأمراء ، ولا تمكنهم منهم . ثم لم تقنع له بما خوّلته فيه ، ومكنته منه ، ورفعته من قدره ، حتى تقصد أن تجعله سلطاناً مثلك ، هذا لا يوافقك الناس عليه أبداً . وحذره من ذلك غاية التحذير ، ونهاه عنه ، وعن الحديث فيه مع غيره . ولعمري لقد بالغ في النصيحة له . فأعلم السلطان منكوتمر ، بما دار بينه وبين الأمير بدر الدين بيسري في أمره ، وبما أجاب به في معناه . فرأى منكوتمر أنه منعه مُلكاً عظيماً ، وسلبه أمراً جسيماً . وعلم أنه لا يتم له هذا الأمر ، الذي أشار به السلطان ، ولا يتمكن منه ، مع بقاء بيسري وأمثاله من الأمراء . فشرع في التدبير عليهم ، وأغرى مخدومه بهم . وابتدأ بالتدبير على بيسري . وعلم أنه إن ينقل عنه أمراً ، ربما أن السلطان لا يتلقاه بقبول ، فأخذه من مأمنه . وتحيّل على أستاذ داره أرسلان ، حتى أنهى عنه ما أنهاه . ثم عضد ذلك بواقعة الدهليز ، فتحقق ما نقل عنه . ولما وقع ذلك ، أطلع عليه بعض الأمراء الأكابر ، فراسلوا الأمير بدر الدين بيسري ، وأعلموه ، بما اطلعوا عليه وكان ممن راسله في ذلك ، الأمير سيف الدين طقجي الأشرفي وغيره من الأمراء ، وحذروه من السلطان ، وحلفوا له على الموافقة والمعاضدة . فلم يرجع إلى قولهم ، ولا أصغى إليهم . ثم أرسل إليه سيف الدين أرغون ، أحد مماليك الملك المنصور ، وخاصكيته وأقربهم عنده ، يخبره أن السلطان قد عزم على القبض عليه ، ويحذره من الحضور إلى الخدمة ، وإنه إن حضر يكون في أهبة واستعداد . وكان الحامل لأرغون على ذلك ، أن أستاذه أمّر غيره من مماليكه ، ولم يؤمره بطبلخاناة مع اختصاصه به ، وإنما أعطاه إمرة عشرة ، فوجد في نفسه . ومن العجب أن كل واحد ، من السلطان وبيسري ، أُتي في هذا الأمر من مأمنه ، وأذاع سره أخص الناس به . فإن أرسلان كان من بيسري بالمكان الذي ذكرناه ، كأعز أولاده عنده ،

الصفحة 210